«فار مكسور»    نفاذ تذاكر "كلاسيكو" الاتحاد والنصر    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    بسبب المخدرات .. نجوم خلف قضبان السجن!    مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يوقع عددًا من مذكرات التفاهم    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    «مبادرات التحول الاقتصادي».. تثري سوق العمل    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    نائب وزير الموارد البشرية يزور فرع الوزارة والغرفة التجارية بالمدينه المنورة    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    الاستدامة المالية    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    بالله نحسدك على ايش؟!    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    عريس الجخّ    كابوس نيشيمورا !    لولو تعزز حضورها في السعودية وتفتتح هايبرماركت جديداً في الفاخرية بالدمام    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    محافظ الطوال يؤدي صلاة الاستسقاء بجامع الوزارة بالمحافظة    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في نسختها الخامسة .. جائزة أمين مدني تبحر عميقاً في أغوار تاريخ الجزيرة العربية لتكتشف المزيد من كنوزه الأدبية
نشر في البلاد يوم 02 - 06 - 2013

ضمن فعاليات الاحتفاء بالمدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية وتحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز – أمير منطقة المدينة المنورة - يقام اليوم الأحد الثالث والعشرين من شهر رجب الجاري الحفل الخامس لجائزة السيد أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية وذلك بقاعة طيبة بفندق الميريديان بالمدينة المنورة. حيث تعد هذه الجائزة التي تحظى برعاية كريمة من سمو أمير منطقة المدينة المنورة تأكيداً على الاهتمام الذي توليه الدولة للعلم والعلماء ورجالات الفكر والأدب والتاريخ ومؤسساته الثقافية، حيث تقدم الجائزة اضافة مهمة لمسيرة الحركة الثقافية والأدبية في المملكة العربية السعودية بشكل عام، وفي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم (طيبة الطيبة) على وجه الخصوص. كما تعطي هذه الجائزة زخماً أدبياً ثقافياً وهي تكرم الفائزين بها وسط جو أدبي بهيج.
تجسيد فعلي لحضارة الجزيرة العربية
تشكل جائزة السيد أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية، رافدا جديدا من عشرات الروافد التي تهيئها الدولة في المملكة لإثراء حركة الفكر والثقافة، وحفز البحث العلمي، وفتح آفاق الإبداع الأدبي والفني في المملكة وفي المنطقة. حيث تقدم الجائزة كل عامين ، في الموعد الذي تحدده اللجنة العلمية المشرفة ، في حفل عام ، ويدعى إليه المهتمون بشؤون البحث العلمي والتاريخي من داخل المملكة وخارجها تحت رعاية شخصية عامة . وتخصيص جائزة ثقافية في مجال البحث في تاريخ الجزيرة العربية، ما هو إلا دعوة عملية إلى معرفة تاريخ وحضارة وتراث هذا الجزء من العالم العربي الذي هو بمثابة اللبنة الأساس في ذلك الكفاح الطويل الذي شهدته جميع الأقطار العربية. أذ تؤطر الجائزة أحداث الجزيرة العربية التي تعد منبتا من منابت البشرية، ومنبعا من منابع الفكر الإنساني، ومصدرا من مصادر اللغات والخطوط، ومهدا للأديان السماوية، وموئلا للإسلام، أحداث كان لها شأن كبير في تاريخ الشرق وأممه منذ فجر التاريخ، ومنذ أن أذن النبي ابراهيم عليه السلام بجانب البيت العتيق، فعلى أرضها أنشئت من قديم الزمان دول، وفي كنفها عاشت أقوام ، وتحت سمائها ترعرعت حضارات وازدهرت مدنيات، ومنها انطلقت غزوات وفتوحات، وإليها اتجهت غزوات.
وعلى الباحث في تاريخ الجزيرة أن يرصد ويسجل الأحداث التي حملتها تلك البقعة من الأرض التي ولد فيها اللفظ العربي، وأن يبدأ مع التاريخ منذ أن كان فكرة، وشواهده منذ أن كانت نصوصا حجرية في عصور موغلة في أعماق الزمن، وأن يسير مع تاريخ الرسالات السماوية ومن عرفتهم الأجيال المتعاقبة من الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين، إلى أن تفتح فيها الدين الذي أراد الله سبحانه أن يختم به كافة رسالاته. وفي المقام الأخير، فإن هذه الجائزة تنطلق من مفهوم أن قيام نهضة حضارية شاملة يرتكز أساسا على وجود بناء ثقافي راسخ، وهوية فكرية واضحة، وأن حاضر الأمة ومستقبلها يرتبطان بماضيها أشد ما يكون الارتباط.
انطلاقة الجائزة
جائزة السيد أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية أنشأها أبناء السيد المؤرخ أمين مدني عام 1409ه، تكريماً لوالدهم وإبرازاً لجهوده في البحث التاريخي الذي أثرى به المكتبة العربية، وقد كانت موافقة المقام السامي، بتوصية من أمير الشباب صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز الرئيس العام لرعاية الشباب رحمه الله على تقديم جائزة سنوية باسم الأديب والمؤرخ السيد أمين عبد الله مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية، تحت مظلة نادي المدينة المنورة الأدبي لتتيح للباحثين والمؤرخين تتويج جهودهم بجائزة معنوية أولاً ومادية ثانياً. حيث تصدر الجائزة عن نادي المدينة المنورة الأدبي، وينحصر موضوعها في البحث في تاريخ الجزيرة العربية وجغرافيتها والدراسات المتعلقة بها، وتهدف الجائزة إلى تشجيع النشاط البحثي في هذا المجال وتأصيل التراث والإسهام في تعميق معرفة الأجيال القادمة بتاريخها وحضارتها وتراثها، وحفز هممهم على التعرف عليه والتأمل في أبعاده.
القائمون على الجائزة
يقوم على الجائزة جهتان هما أبناء صاحب الجائزة السيد أمين عبدالله مدني ثم نادي المدينة المنورة الأدبي.
أهداف الجائزة
تهدف الجائزة إلى تشجيع النشاط البحثي ورفد الحركة الثقافية والعلمية في المملكة. الى جانب تأهيل التراث والإسهام في تعميق معرفة الأجيال القادمة بتاريخها وحضارتها وتراثها. إضافة الى حفز همم الأجيال الحاضرة والقادمة على التعرف على تاريخها وحضارتها والتأمل في أبعادها.
قيمة الجائزة
تبلغ قيمة هذه الجائزة خمسة عشر ألف دولار أمريكي تقدم لصاحب العمل الفائز بالجائزة في كل سنة تقدم فيها. كما يجوز للنادي الأدبي بالمدينة المنورة، إضافة إلى الجائزة المرصودة للبحث العلمي الفائز، أن يقوم بنشر وتوزيع البحث الفائز باسم النادي وعلى نفقة ممولي الجائزة، مع الإشارة إلى فوزه بهذه الجائزة.
تتناول مواضيع الجزيرة العربية
تنحصر المواضيع المقدمة للجائزة في عدة أطر من أهمها أن تكون في إطار الأعمال المقدمة لنيل الجائزة محصورا في تاريخ الجزيرة العربية وجغرافيتها والدراسات المتعلقة بها، ويجوز للجنة العلمية المشرفة أن تحدد حقبة معينة أو موضوعا محددا ليكون موضوعا للجائزة في أي سنة من السنوات.
هيئة تحكيم من أعلى المستويات الفكرية
تتألف لجنة تحكيم الجائزة من كبار أساتذة الأدب والفكر والثقافة وهي تتكون من الدكتور عبد الرحمن الأنصاري، أستاذ التاريخ وعلم الآثار بجامعة الملك سعود، وصاحب الاكتشافات الأثرية المهمة في الجزيرة العربية، وعضو مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية، الأستاذ عبد الله بن محمد الشهيل، مدير عام إدارة الأندية الأدبية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب، والمتخصص في تاريخ الجزيرة العربية الاجتماعي والثقافي المعاصر. إضافة الى الدكتور محمد بن سعيد الشعفي، عميد كلية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض. ويليه الأستاذ محمد هاشم رشيد، رئيس النادي الأدبي بالمدينة المنورة ومن شعرائها وأدبائها المبرزين. كما انضم إلى اللجنة العلمية للجائزة، بعد وفاة الشيخ حمد الجاسر رحمه الله الأستاذ ابراهيم الوزان مدير عام الأندية برعاية الشباب.
ظفر بها كبار قادة الفكر والثقافة
نال جائزة السيد أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية العديد من الرموز الفكرية البارعة والهيئات الغكرية والثقافية في المملكة، حيث فاز بها مناصفة في عام 1414ه كل من أ.د محمد عيد الخطراوي، رئيس قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية التربية جامعة الملك عبد العزيز - فرع المدينة المنورة (سابقاً)، عن مجموعته التاريخية، (المدينة المنورة في العصر الجاهلي وصدر الإِسلام). ثم أ.د صالح لمعي مصطفى، مدير مركز إحياء تراث العمارة الإسلامية القاهرة، عن كتابه، (المدينة المنورة، وتطورها العمراني، وتراثها المعماري). أما في دورتها للعام 1416 ه فقد فاز بها مناصفة كل من أ.د محمد بن سعيد الشعفي، عميد كلية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض، عن كتابه: (تجارة جدة الخارجية في الفترة بين 1840 - 1916م). ثم د. محمد أحمد الرويثي، الأستاذ المشارك في كلية التربية بجامعة الملك عبد العزيز - فرع المدينة المنورة (سابقاً)، عن كتابه (الموانئ السعودية على البحر الأحمر، دراسة في الجغرافية الاقتصادية). وفي العام 1418ه فقد فاز بالجائزة أ.د سعد بن عبد العزيز الراشد، وكيل وزارة المعارف المساعد لشؤون المتاحف والآثار، عن أعماله في الكشف الأثري للمدن والموانئ الإسلامية في الجزيرة العربية وعن دراساته المنشورة وأعماله التنقيبية في منطقة الربذة. وفي دورتها الرابعة في العام 1421ه فقد فاز بالجائزة كل من الأستاذ عاتق بن غيث البلادي الباحث في الجغرافيا والتاريخ والنساب وجغرافية الجزيرة العربية وذلك عن موضوع، المدن الإسلامية في الجزيرة العربية ((تاريخ وحضارة)) ولإنتاجه العلمي المتواصل وتأليفه سلسلة مؤلفات عن مكة المكرمة وتاريخها وجغرافيتها وأوديتها وشعرائها. دارة الملك عبد العزيز وذلك عن موضوع، تأثير الدعوة الإصلاحية التي قامت في منتصف القرن الثاني عشر الهجري في وسط الجزيرة العربية على النهضة العربية الحديثة، وكذلك لدور الدارة في خدمة تاريخ المملكة العربية السعودية وجغرافيتها وآدابها وآثارها الفكرية.
نقشبندي وذكرياته مع مدني
أتحفنا السيد عبدالحق عبدالسلام نقشبندي في سرد جانب من السيرة الذاتية للسيد أمين مدني (رحمه الله) ، والذان تزاملا لحقبة من الزمان في معترك الحياة الأدبية أبان العقد الماضي، حيث يقول عبدالسلام نقشبندي أن السيد أمين قد ولد في ذي الحجة سنة 1328ه بالمدينة المنورة في حياة والده السيد عبد الله مدني وفي مساء يوم ولادته تم ارسال المولود الى أظهاره من قبيلة عوف المروحية فأتم رضاعته فيهم وتوفي والده بعد شهرين من ولادته، وعندما بلغ السابعة من عمره جيىء له بأستاذ خصوصي في البيت لتعليمه مبادىء القراءة والكتابة، ثم دخل المدرسة الابتدائية الأميرية واستمر فيها حتى نال الشهادة، ثم أخذ يحضر دروس الشيخ محمد الطيب الأنصاري بالحرم الشريف وتخرج عليه يدع، ومن ثم تم تعيينه مساعداً لسكرتير مجلس الإدارة وسكرتير اللجنة مطالبة أوقاف الحرمين ثم أنتخب مديراً لجريدة المدينة ثم سافر لمكة المكرمة وتعين مفتشاً بوزارة المالية بواسطة الشيخ محمد سرور الصبان ثم سكرتيراً لديوان التفتيش ثم عاد للمدينة وتعيّن رئيساً للبلدية ثم استقال منها وقد انتخب عضواً في عدة وفود رسمية نيابة عن المدينة، وله من المؤلفات كتاب (العرب في أحقاب التاريخ). انتهى ما كتبه عنه الأستاذ عبد القدوس الأنصاري في المنهل. أما صلتي بالسيد أمين ومعرفتي به فترجع من سنة 1344ه لما رجعت من الهند وتعينت مدرساً بمدرسة العلوم الشرعية وكان السيد أمين يتلقى بعض الدروس العربية في المدرسة وأذكر أنه قرأ عليّ شيئاً من علم البلاغة واستقلت من المدرسة المذكورة لقلة مرتبها وتوظفت معلماً أولَ بالمدرسة الأميرية الابتدائية فوجدت السيد أمين منتظماً في الصف الرابع وكنت بدوري أدرس الجغرافيا والتاريخ والمحفوظات فتشرفت به تلميذاً ضمن تلامذة الفصل المذكور. وبناء للأزمة الاقتصادية التي حلت بالمملكة يومئذ فقد استئجزت من المعارف لمدة شهر وسافرت لمكة المكرمة سنة 1350ه على أن أسافر للهند فرغّبني السيد أحمد العربي أن أكون منتدباً ومراسلاً لجريدة صوت الحجاز التي أنشأها الشيخ يوسف نصيف مكان رئيس التحرير هو السيد حسن فقي الأديب الممتاز فقبلت. وكان السفر صعباً على الحجازيين فتوسط لي المرحوم الشيخ محمد سرور الصبان لدى عبد الله السليمان بالسفر مع هيئة اللاسلكي الذاهبة للرياض وغيرها، وكان رئيس الهيئة أحد أصدقائي يحيى زارع فركبت مع الهيئة ووصلنا الرياض بعد المشقة حيث لم يكن الطريق مرصوفاً، وبعد وصولنا للرياض زرت مع الهيئة المغفور له الملك عبد العزيز وكنت عملت في الليل قصيدة قصيرة نسيتها وأذكر مطلعها وكانت مع قصرها جيدة.
مليك العرب دم وانعم صباحا
فسعدك في سما الإقبال لاحَا
وحسبك ما اعتصمت به ملاذا
كتاب الله والسنن الصحاحا
فسرَّ جلالته ونفحني بمائة ريال خاصة أنه علم بأني منتدب عن جريدة صوت الحجاز.
وفي اليوم الثاني سافرت مع باقي الهيئة إلى الإجارة وكان بها محمد الطويل مدير جمارك الأمناء، فلما علم بانتدابي عن الجريدة استضافني بمكتبه ثم سافرت معه إلى البحرين ومنها سافرت للكويت فكتب لها بالمعتمد السعودي بتعجيل سفري فنزلت عنده وأعطاني جواز السفر فسافرت في مركب للبصرة ومنها لبغداد واتصلت بالشيخ يوسف خشيرم أحد معتمدي الملك فيصل بن الحسين وكان يتصل بالملك دائماً فأخبره بمقدمي كمنتدب جريدة ورغّبني الشيخ يوسف بزيارة الملِك فقلت كيف يتسنى لي زيارته فقال أنا أرتبها لك وصحبني في اليوم الثاني إلى البلاط الملكي وأجلسني مع بعض الضيوف وأفهمني ألا أطيل الجلوس أكثر من خمس دقائق فدخلت على الملك وكان واقفاً فأمرني بالجلوس وسألني عن أحوال المدينة وبعض من كان يعرفهم من الأعيان فأفدته بما أعلم عنهم ثم قام فعلمت بانتهاء الزيارة وخرجت فأخبرني الشيخ يوسف بأن الملك يخشى على شاب مثلي وصدف أن سافر في اليوم الثاني إلى مصيفه ببلدة (بنجوين بشمال العراق فاستأذنت بدوري من الشيخ يوسف وكان الحر شديداً في بغداد فطلبت أن أبقى لأحصل على المنحة التي كان الملك يمنحها لمن يزوره من الحجازيين وسافرت من بغداد لدمشق وهناك نزلت بفندق متواضع واتصلت بالمرحوم السيد محمود الحمصي مدير المدرسة فأمضيت الصيف بدمشق ورجعت للمدينة، وكان السيد سافر مع ابن عمه السيد جعفر والسيد ماجد مدني للهند للعلاج فذهبوا لحيدر آباد واتصلوا برئيس الصحة العامة الدكتور خواجه معين الدين فأسعفهم بعلاجات شافية ورجعوا بعد أشهر وتعرفوا بأعيان حيدر آباد ورجعت بدوري للمدينة وتوظفت بمعمل النسيج محاسباً وكان يديره ابن السيد زين العابدين مدني رئيس لجنة العين، فبقيت معه كمحاسب مدة سنة ثم استقال من العمل وتعين رئيساً للجنة العين لوفاة والده المذكور فتعين لإدارة المعمل السيد أمين بإيعاز من الخواجه معين الدين فتولى الإدارة وكنت توظفت محامياً لمالية المدينة وذلك فقط بالحضور في جلسة نيابة عن المالية في الدعاوى التي يَدّعي أصحاب الدور الذين تخلوا عنها أيام سفرهم لدمشق واستولت عليها المالية خوفاً من أن يضع أحد يدهم عليها وذلك حفظاً لأموال الغيب وكنت كثيراً ما أتغيب فلم يعتب عليّ السيد أمين بل كان يحترمني وبعد أن عمل مدة استقال من العمل وأسندت إليّ الإدارة بعد استقالته وبقيت أديره حتى استقلت منه بعد استيلاء حكومة الهند على حيدر آباد وعندئذ توقف ما كان يبعثه مجلس إدارة المعمل بحيدر آباد. وفي تلك الأثناء، توفي الدكتور خواجه معين الدين نقلت استقالتي هنا وهناك كانت صلة ملموسة بيني وبين السيد عبيد مدني شقيق السيد أمين فقد كنت زاملته بالمدرسة التحضيرية الفيصلية أيام رجوعه إلى المدينة من الشام سنة 1337 فدخلت المدرسة المذكورة ووجدت السيد عبيد في أول رحلة الصف فانتظمت معه حتى نلت وإياه الشهادة التحضيرية ثم خرج هو وبقي يدرس في البيت وفي الحرم وخاصة على الشيخ محمد العمري في فنون الشعر والأدب حتى أصبح شاعراً مرموقاً ومؤرخاً للمدينة وقد كنت دائم الاتصال به وكثيراً ما كنت أتغدى معه في بيتهم بالسوق الذي كان مشهوراً ببيت المفتي وكان لوالده مكتبة في البيت بها كثير من كتب التاريخ والقصص فكنت أستعير كتب القصص ثم أردها وكان بيت والده المرحوم السيد عبد الله مثابة للوارد والصادر من الزوار والحجاج الحجازيين وكان خوانه ممدوداً كل يوم وقد أخبرني من أثق به أن كثيراً ما يناول بعض جلسائه ممن يعرفهم من ذوي الحاجة بجنيهات ذهبية صار البعض يأخذ حق نشوقهم فيضع جنهين أو ثلاث، وهو الذي بنى الفندق المشهور يومئذ بفندق المدني وأسماه دار السلام فكان ينزل فيه من أعيان الحجاج وقد نزل فيه بعد وفاته أنور باشا وجمال باشا السفاح وطلعت باشا، أذكر ذلك لأن بيتنا كان مجاوراً للفندق، ولما نشبت الحرب العامة سنة 1334ه وأجلى فخري باشا أهل المدينة لدمشق استولى عليه فخري باشا وجعله مستشفى عسكرياً، وبعد رجوع أهل المدينة من دمشق وغيرها تولاه السيد عبيد وكان يؤجر بعض غرفه بأجر ضئيل وكان يأتي كل مساء فيجلس في حديقته الخارجية وكنت أزوره هناك حتى اتفق لإخوانه لبيعه بإشارة صديق الطرفين السيد ولي الدين أسعد فباعاه لابن لادن وتقاسما الثمن واشترى كل واحد منهما داراً بمصر فكان يذهبان كل سنة للاصطياف إلى القاهرة وكنت بدوري بمصر وكنت أزور المرحوم في الشقة التي استأجرها القريبة من النيل لأن العمارة التي اشتراها كانت بعيدة وكان يحب أن يكون متصلاً بأصحابه وخاصة ابن عمه السيد محمد مدني الذي كان مقيماً بمصر والسيد ولي الدين أسعد وابن عمه الدكتور عمر وعلي أسعد ولما قام عبد الناصر بنشر الاشتراكية وتوقف رواتب الموظفين السعوديين ومنهم الداعي حيث كنت أقمت مع أولادي بعد إحالتي للتقاعد من محاماة المالية فاضطررت للرجوع ورجع السيد عبيد والسيد أمين وأنابا عنهما السيد ولي الدين لتأجير العمارتين وبعث أجرتهما، وقد اجتمعت بالأخوين في الحفل الذي أقامته بكلية الآداب بجدة للأدباء القدامى بالمملكة فكان الداعي مدعواً بصفته من الأدباء القدماء وألقيت المحاضرة عن الشاعر أحمد شوقي وألقى السيد عبيد رحمه الله محاضرة بالمثل، ورجعت قبل إتمام الحفل المذكور للمدينة حيث كنت مريضاً بالقرحة وقبل عامين على ما أظن احتفل النادي الأدبي بالمدينة لإقامة حفلة التكريم للسيد عبيد وغيره من الأدباء وكان الحفل أشبه بحفلة تمثيلية ثم بعد أن شفيت من مرضي ذهبت للسيد عبيد في دارته بطريق سلطانه فتلقاني بالتكريم والترحاب وعلمت منه أنه ملازم للدار في مكتبته الحافلة بالكتب القيمة، وقال إنه أوكل أعماله لابنه الأكبر السيد عدنان مدني، فسألته عن تاريخ المدينة التي نوهت مجلة المنهل والحفيد الأستاذ عبد القدوس بنشر مقال عنه فقال لي إن شاء الله سيطبع عما قريب فودعته وانصرفت شاكراً، ولما ذهبت لمصر علمت أنه جاء للاصطياف بدوره وكنت أحب أن أزوره فلم أعلم بمكانه وكان الشهر شهر رمضان فرجعت للمدينة فسمعت بوفاته بمصر وسيؤتى به للمدينة لدفنه فيها فاتصلت بالأستاذ عبد القدوس وعلمت منه أنه قدم من مصر أيضاً للاشتراك في تأبينه وتعزيته وقد كتبت مقالاً بدوري بعنوان:
وما كان زيداً هلَك هلك واحد
ولكنه بنيان قوى تهدما
ونشر المقال بالمنهل فكان ذلك بعض ما يجب عليّ من وفاء صديق لصديقه بعد وفاته رحمه الله رحمة واسعة وأفاض عليه من سحائب رحمته ورضوانه . ولم أكن أعرف من قبل أن السيد أمين شاعر بحق إلا بعد أن قرأت مقاله المنشور في المنهل أبّن فيه أخاه المرحوم السيد عبيد وأضيف إلى ترجمة حياة السيد أمين: القصيدة التي نشرت بالمنهل 17 /11/ 1396ه.
قدر طوى صنوي فصرت وحيداً
وغدا الشقيق رؤى يلوح بعيدا
ما كنت أحسب عندما ودعته
أني أودع هالكاً مفقودا
فكأنه رفض الترحل صحبة
للموت يبقى زاهداً موعودا
نزل القضاء به ففرق بيننا
يا ليته حَيّ وكنت فقيدا
يا من تقحم في الحياة كؤودها
قد كنت تعبر شاهقاً وصعيدا
قاسيت أمراضاً لأمت جراحها
أنّى تكون بعثرة موؤداَ
الموت قناص ونحن فريسة
يصطاد منا واهناً وجليدَا
كم كنت أرجو أن تكون مؤبني
يا شاعراً نظمَ الدموع عقودَا
شاطرتني حلو الحياة ومرّها
فلكم وقفت بجانبي صنديدا
كنا معاً نسعى لنيل مطامع
سهلاً نكون وتارة جلمودَا
قطعت بنا الأيامُ شرخ شبابنا
والجهدُ يأبى أن يكون قعيدا
والمجد صعب والمسالك وعرة
والنفس جانحة تريد مزيدا
أوقفت عمرك جامعاً تاريخها
نصاً يكون فريدا
والبحث مضنٍ والحقائق غمة
تحتاج تحقيقاً يكون وئيدا
والعمر محدود يضيق نطاقه
مما تهم به النفوس صعودا
ونهضت تدعو للجديد مطوِّرَا
أدب المدينة نثره وقصيدا
ونظمت للتاريخ شعراً رائعاً
يومي بما فعل الزمان نشيدَا
حمل الفجيعة باكياً متأوهاً
مات المغرد صوته تنهيدا
ينعي عبيداً في قلوب أحبةِ
سعدوا به وبهم يظل سعيدا
أبشرْعبيد بجنة ونعيمها
طوبى لمن نزل الجهاد شهيدا
أمين مدني في سطور
هو أمين عبد الله مدني , المؤرخ والأديب والصحفي الرائد. ولد في المدينة المنورة عام 1329 , ويعد أول من تولى منصب رئيس تحرير جريدة المدينة , بعد أن تؤسست علي يدي عثمان وعلي حافظ في الثامن من شهر أبريل عام 1937 الموافق للسادس والعشرين من محرم عام 1356 ه , وهو يعد أحد أعيان المدينة المنورة ومن كبار مؤرخيها وأدبائها وعلمائها ، وأحد رؤساء بلديتها السابقين ، وكان له مجلس يعقده في منزله الكائن في باب الشامي ويؤمه مجموعة كبيرة من أدباء المدينة المنورة ومثقفيها وضيوفها والمهتمين بالتاريخ والأدب ويناقشون فيه مختلف القضايا الأدبية والعلمية والتاريخية ، ومن أشهر رواده: عبد القدوس الأنصاري , محمد حسين زيدان , جعفر فقيه , محمد الحافظ , عباس قمقمجي , علي حافظ , عثمان حافظ , محمد هاشم رشيد , محمد العيد الخطراوي , نايف هاشم الدعيس وغيرهم . توفي أمين مدني الى رحمة الله في المدينة المنورة عام 1404 ه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.