النهضة الفكرية والأدبية المعاصرة في المملكة قامت على ما قدمه الرواد من إبداع وإنتاج عظيم أسسوا به مرحلة جديدة في الفكر والتأريخ والأدب السعودي، ومهدوا الطريق أمام الجيل الثاني، وعليه تكمل أجيال الباحثين والأدباء الدرب فكراً وعلماً وثقافة وصحافة ..وما يميز جيل الرواد أنهم لم ينعزلوا في صومعة الفكر، ولم يطلوا من برج عاجي، وإنما انصهروا بعطاء جميل في مواقع مختلفة من المسؤولية الرسمية والعامة، فاستحقوا التقدير ويستحقون اليوم التكريم من جامعاتنا وأنديتنا الأدبية بمزيد من التنقيب في ماقدموا من نتاج ارتبط بالجذور وشرع أبواب الفكر للتجديد الواعي . وبقدر ما حظي به الرواد من احترام وثقة وتقدير في حياتهم، لم ينتظروا التكريم حينها، وقد نالوه من الوطن بصور شتى تربط أسماءهم بالمكان ليكون شاهدا على زمانهم الذين أوفوا فيه وأبدعوا وأخلصوا في رفع راية الأدب والفكر السعودي بجذوره وهويته وتواصله مع ثقافة الأمة بشخصية واضحة ومتميزة، ووضعوا الثقافة والإبداع في مكانهما كمقود يؤطر التطور، وجناح تحلق به الشخصية الوطنية مع جناح التنمية الحضارية . من منا لا يذكر معلمي الأجيال ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الأساتذة عبيد وأمين مدني، عبد القدوس الأنصاري، محمد حسين زيدان، محمد عمر توفيق، ضياء الدين رجب، علي، عثمان حافظ،عبد العزيز الربيع، وكل رموز ذلك الجيل العظيم الذي أدرك أهمية دوره في مرحلة البناء الوطني . إن عطاءات الرواد لايوفها حقها إلا المزيد من الدراسات و البحوث المتعمقة، وما يحمد للأجيال اللاحقة من الباحثين والمبدعين أنهم مارسوا الإبحار العلمي والتوثيقي لسير الرواد، و نال العديد من الأساتذة والباحثين شهادات الدكتوراه في جوانب من هذه السير وإبداع الرواد، وهذا ليس فقط وفاء لهم، وإنما أيضاً وفاء لأجيال لاحقة من نحقهم أن يرتبطوا بما قدم الرواد . ومما يحمد له أيضاً أن ذاك الجيل الفذ أخلص له جيل الأبناء في عائلاتهم، وواصلوا حمل الشعلة من خلال مسئوليات رفيعة ..فها هي البيوت العريقة لآل مدني وآل الأنصاري وآل حافظ وغيرها، قدمت أجيال مخلصة للوطن وفية للفكر والثقافة والأدب ولسيرة الرواد وترسيخها في ذاكرة ووجدان كل جيل من أبناء الوطن، عندما يدركون حجم ما قدم الأفذاذ من الفكر والتعليم والإعلام . وأنا هنا أشير بسعادة واعتزاز إلى نموذج مضيء من هذه الكوكبة وهو آل مدني، فالسيدان أمين وعبيد مدني ( رحمهما الله ) هما من أعمدة النهضة الفكرية الحديثة ويؤرخ لهما عطاءهما مع جيلهما، فلا تزال سيرة وإبداعات السيد عبيد مدني محل اهتمام الباحثين والنقاد وتغري العقل للتنقيب في حياته وشعره ..ولا تزال سيرة " محب التاريخ " السيد أمين مدني والتاريخ العلمي حية تطل عليها الأجيال، وما قدمته القامتان الكبيرتان رحمهما الله، يظل نبعا ومنهلا لمن شاء إبداعا وتأريخاً وتوثيقا . يا له من تاريخ رائع سطر فصوله الرواد ..ويا له من وفاء حاضر وجميل يتجلى في بيت آل مدني العريق مثل رصفائهم من العائلات الأدبية العريقة التي قدر رجالها جيلاً بعد جيل قيمة ريادة الآباء . فها هي ( جائزة أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية ) عنوان لهذا الوفاء، ويحمل لواءها أبناؤه البررة معالي الأستاذ إياد بن أمين مدني وزير الثقافة والإعلام الأمين العام للجائزة وإخوانه الكرام، وتستهدف الجائزة تشجيع النشاط البحثي والحركة العلمية والثقافية، وتأهيل التراث والتنقيب فيه، والإسهام في معرفة الأجيال القادمة لتاريخها وحضارتها وتراثها وقد فاز بها العديد من الباحثين على مدى السنوات الماضية من عمر الجائزة، ووجدت صدى متواصل مع الجامعات والمراكز العلمية البحثية . لقد حظي مجتمع المدينةالمنورة عبر التاريخ بنصيب وافر من هذه القامات وتميزت ساحتها الفكرية وحراكها الثقافي بإبداعات ونتاج ومجالس ومنتديات الرموز الكبيرة ضمن أجيال الرواد على مستوى الوطن ..وكثير من الدراسات والشهادات العليا تخصصت في دراسة حياة السيد عبيد مدني وشعره وسيرته وشخصيته، وعلى المستوى الشخصي أعتز بأنه كان صديقاً لجدي الشريف شحاد رحمهم الله جميعاً ..كما تجسدت عبقرية المكان والزمان في علاقة السيد أمين مدني بروح وضمير التاريخ وذاكرة الأرض . لقد أوفى الرجال البررة لسيرة وتاريخ الرواد الحافل، وما تركوه من رصيد كبير وموروث فكري وأدبي وتأريخي هام للأجيال وأذكر بالتقدير، الوفاء الرائع من معالي وزير الثقافة الإعلام الأستاذ إياد بن أمين مدني وإخوانه، ومعالي الدكتور نزار بن عبيد مدني مساعد سمو وزير الخارجية للشئون الخارجية ومعالي الدكتور غازي بن عبيد مدني مدير جامعة الملك عبد العزيز السابق وكل آل مدن الكرام، وبما عرف عنهم من كريم الخصال وحب العلم والارتباط بساحة الفكر والثقافة في مواقع مختلفة من المسؤوليات الرفيعة . وهكذا يتميز وطننا في مراحله المختلفة وعلى مدى عهود الخير والبناء ..وها هي الثقافة يمنحها معالي الوزير إياد بن أمين مدني ما تستحقه من دور مؤثر ومناخ يتسم اليوم بمنطلقات مهمة في خطابها للتجديد والتنوير والتنوع والتعدد والحوار والنقد البناء . [email protected]