يا أستاذي رجاءً: يعبث بالطبشور بين إصبعية يلون أظافره به، فرح طفولي بتلك البودرة الناعمة المُناسبة بين يديه، صوت المعلم يفزعه يذهب سريعا لمقعده الصغير ويختبأ بنبضات قلبه السريعة خلف طاولته المستطيلة، يستمع لصوت المعلم يشرح، يعرض وسائله، يسأل، هو يعرف الإجابة لكنه لا يتجرأ على رفع إصبعه، يتمنى أن ينتبه له أستاذه ويسأله هو دون غيره، الأستاذ لا يعبأ بمن لم يرفع يده فالصف مليء بالرؤوس الصغيرة فالعدد كبير والدرس قصير والتقويم متعب والأطفال الصغار همٌ كبيرٌ على عاتقه، يجيب بصوت منخفض، يلتقط الجملة طالب قريب فيرفع يده ويجيب، صوت المعلم ينساب لأذنيه الصغيرتين بسيل من المدح يرضي غروره فهو المالك الحقيقي للإجابة لا ذاك الصغير الممتدح. اكتبوا الدرس: أربعون دقيقة كافية لتنير العقول الصغيرة ضاعت منها خمس دقائق قبل وصول الأستاذ ذاك الذي يسير متثاقلا عبر الممرات ليصل إليهم فيطبق الصمت على المكان وتسقط طائرة الورق بين الطاولات وتمتد أيديهم الصغيرة محتضنة لغتي الجميلة في كتاب. خمس عشرة دقيقة كافية لترسم الأقلام الملونة بين يديه القاعدة وشرحها بمثال على لوح أبيض يزخر برسم طفولي وعبارات بسيطة نسيتها يد المساح صوت يرتفع (أحد مو فاهم)، نظرات حائرة تحمل ألف سؤال وسؤال، تضع حدا لها عبارة (اكتبوا الدرس). يتجه الأستاذ إلى ركن بعيد يخرج هاتفه المحمول ويراسل به الأصحاب. لا داعي للمذاكرة والاجتهاد: ماذا تعلمت اليوم في المدرسة صوت والدته الحنون يركض حاملاً تلك الحقيبة الثقيلة، يريها ما رسم وما لون وما كتب، يبدأ بإخراج الكتاب ويقلب الصفحات ينظر بثقة وإصبعه يمتد ليريها علامة النجمة، تغرقه والدته بالمديح والقبل، يحكي لها عن الصف عن ذاك الولد الجالس بقربه هو كسلان، لا يشارك، لا يحل الواجب، ولا ينتبه معنا لشرح الأستاذ، المعلم طلب والده كثيرا، وعاقبه أكثر، ودائما يقول له الأستاذ (تعلم من خالد بجانبك) عاماً كاملاً يمتدحه الأستاذ، ويتباهى به، وذاك الكسلان في ذات المكان، اليوم حين عاد من المدرسة وهو يوم مميز له ولأمه استقبله صوتها (ماذا تعلمت اليوم في المدرسة)، بانكسار تعلمت إننا كلنا سواء، فلا داعي للعناء، لأنه لا فرق بين مجتهد وكسلان، تمتد يده بورقة مطبوع فيها شهادة الانتقال من الصف الثاني الابتدائي إلى الصف الثالث ولكنها لا تحمل اسمه بل اسم ذلك الكسلان. [email protected] قاصة سعودية