يعد مركز تاريخ مكةالمكرمة منارة علمية تستقطب جهود حركة البحث العلمي حول كل ما يتعلق بتاريخ مهبط الوحي وجغرافيتها وآثارها العمرانية ومآثرها الفكرية، ويثري الإنتاج العلمي المتخصص حول العاصمة المقدسة من الكتب والندوات والمحاضرات بما يستجلي الدور الإسلامي لهذه المدينة المباركة ودورها في نشر قيم الإسلام العظيمة ورسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى البشرية أجمعين، ودورها في إعادة صياغة التاريخ البشري بصفة عامة. ويعنى المركز الذي لم يمض على تأسيسه أكثر من أربع سنوات في مكةالمكرمة بتوثيق الجهود الإسلامية المبذولة لتطوير الخدمات المقدمة لحجاج الحرم الملكي والمعتمرين وفي المشاعر المقدسة وخاصة الجهود السعودية وعلى رأسها التوسعات الملكية للحرم بما يسهل على المسلمين أداء فرائضهم ونسكهم. ويمثل المركز نقطة تقاطع واجتماع للبحوث العلمية والدراسات المتخصصة في العالم عن مكةالمكرمة كونها المدينة الأم للإسلام والمكرمة لدى المسلمين في كل أصقاع العالم عبر الحقب التاريخية المختلفة وتحظى بحراك علمي منذ نزول الإسلام فيها ونشره منها إلى كل أنحاء المعمورة،في محاولة من المركز لتركيز الجهود والمناشط بأشكالها العلمية المختلفة ونقلها من التبعثر والتفرق إلى عمل مؤسساتي يحقق لتلك الجهود والمناشط قيمتها العلمية، ويكون بأرشيفه ومكتبته وصلاته المختلفة بالأطراف البحثية مغذياً للبحوث ومسانداً للباحثين والباحثات في تاريخ عاصمة الإسلام الأولى مكةالمكرمة ودورها الديني والروحي والمعرفي والعلمي والدور الثقافي والاجتماعي كونها ساحة التقاء لكثير من العادات والتقاليد والثقافات الفرعية أثناء موسم الحج وما يصحب الموسم من نشاط اقتصادي وتجاري نشط منذ أيام الإسلام الأولى بعد فرض الحج على المسلمين. والمركز ذراع علمي وتوثيقي لتاريخ مكةالمكرمة، وفي اجتماعه الأخير برئاسة نائب خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، وضع المجلس الأطر العامة لهذه المؤسسة العلمية الجديدة وهيأ الإمكانات المادية والعلمية والخبرات الإدارية لتحقق هدفها السامي في خدمة التاريخ الإسلامي بصفة عامة وتاريخ مكةالمكرمة خصوصاً. ويحرص المركز لاختيار العلماء المتخصصين والباحثين المشهود لهم بالجد والأصالة ضمن كوكبة أعضاء مجلس الإدارة لتوخي أفضل النتائج وتحقيق أعلى درجات العمل المتكامل والشمولي. ويهدف المركز بصفة عامة إلى استراتيجية طويلة المدى ورؤية لمعالم مستقبله في خدمة الحركة العلمية في المملكة العربية السعودية والثقافة الإسلامية وتعزيز حب مكةالمكرمة لدى المسلمين واستظهار قيمتها الخالدة لغيرهم. كما يهدف إلى جمع مصادر تاريخ مكةالمكرمة في جميع العصور، من المؤلفات والكتابات والمخطوطات والدراسات والوثائق والصور والخرائط والروايات والمقالات والأفلام المرئية، وإعداد الدراسات والمؤلفات عن مكةالمكرمة وجوانب الحياة فيها قديماً وحديثاً ونشرها، وتحقيق المخطوطات غير المنشورة في تاريخ مكةالمكرمة وفق المنهج العلمي المتبع ونشرها، ودعم الباحثين في أنحاء المملكة والعالم الإسلامي لخدمة تاريخ مكةالمكرمة، وعقد اللقاءات العلمية حول هذا التاريخ والجوانب المتعلقة به، بالإضافة إلى إصدار دوريات علمية محكمة وغير محكمة تهتم بنشر ما يتعلق بمكةالمكرمة باللغة العربية وغيرها من اللغات، وإنشاء بوابة تقنية للمعلومات عن مكةالمكرمة بعدة لغات لخمة المهتمين والباحثين العموم، وإقامة المعارض المتخصصة، والتعاون مع المراكز والمؤسسات المماثلة. ويسير المركز على رؤية تتمثل في خدمة تاريخ مكةالمكرمة ومصادره المتنوعة وفق الأساليب العلمية المعتدّ بها بما يلائم مكانة هذه المدينة المقدسة وأهميتها وتاريخها العريق، كما تنتظم هذه الأهداف التي بدأ المركز في تطبيق أعمال وأنشطة وإصدارات ضمنها في رسالة كبيرة وهي المحافظة على مصادر تاريخ مكةالمكرمة، والعناية بها إتاحة ونشراً وتحقيقاً. ووفقا لمنظومة الأهداف والرؤية والرسالة التي تكوّن نسيجاً من العمل المتصل والمتكامل، أنجز المركز عدداً من الإصدارات العلمية والأنشطة المتخصصة، وتنظيم ندوة نسائية بعنوان (المطوفة المكية : تاريخ وذكريات) شاركت فيها عدد من الباحثات والمطوفات، حيث قدّمت وسط حضور علمي لافت ست أوراق علمية ناقشت تاريخ الطوافة والمطوفات والأدوار الدينية والاجتماعية والثقافية التي كانت تقوم بها المطوفات في علاقتهن بحجاج الخارج، كما سجلت الندوة شهادات شفهية لعدد ممن اشتغلن بهذه المهنة ووثقت لكثير من ذكرياتهن التي تعكس جانباً من تاريخ المرأة في الجزيرة العربية بشكل عام وفي مكةالمكرمة بشكل خاص. ويجهز المركز لعقد ثلاث ندوات علمية كبرى خلال السنتين المقبلتين حددت موضوعاتها كالتالي : ندوة التعليم في الحرمين الشريفين في عهد الملك عبدالعزيز، ندوة سقاية الحجاج عبر العصور التاريخية، وندوة المصادر التاريخية لمكةالمكرمة في شتى العصور : رصداً ودراسة وتحليلاً. وفي جانب الإصدارات العلمية أصدر المركز حتى الآن عدداً من المطبوعات العلمية هي : كتاب صفحات من تاريخ مكةالمكرمة من ترجمه الدكتور محمد بن محمود السرياني، والدكتور معراج بن نواب مرزا، وكتاب أعلام وحدود الحرم الملكي الشريف من تأليف الدكتور خضران بن خضر الثبيتي والدكتور سعود بن مسعد الثبيتي، وكتاب الحج إلى مكةالمكرمة من شبه القارة الهندية وهو من ترجمة الدكتور معراج بن نواب مرزا والدكتور بدر الدين يوسف محمد احمد، وكتاب الحياة العلمية في مكةالمكرمة 1115 1334ه /1703 1916م تأليف الدكتورة آمال رمضان، والأطلس المصور لمكةالمكرمة والمشاعر المقدسة (باللغة الإنجليزية) تأليف الدكتور معراج بن نواب مرزا والدكتور عبدالله بن صالح شاووش، كما يعتزم المركز في هذا السياق طباعة ثلاثة كتب هي : مدينتا الجزيرة العربية المقدستان من ترجمة الدكتور عبدالله بن محمد نصيف، ومقام إبراهيم عليه السلام، تأليف محمد بن طاهر الكردي، ودراسة معالي الشيخ عبدالوهاب أبو سليمان، وتاريخ أمة في سيرة أئمة ويتكون من خمسة مجلدات من تأليف معالي الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد، وهذه القائمة من الكتب المترجمة والمؤلفة بندرتها وجدتها تعبر عن المساعي الحثيثة لخدمة المكتبة التاريخية لمكةالمكرمة وتبعث إلى الباحثين والباحثات رسالة تحفيز وتشجيع للتعاون مع المركز على هذا المستوى المتطلع للجودة العلمية والتميز في الموضوع والمنهج. ويسعى المركز في هذا الإطار إلى حصر الرسائل العلمية الأكاديمية عن تاريخ مكةالمكرمة لاقتنائها وإعادة طبع المتميز منها، كما يتلقى المركز عدداً من المقترحات ومشروعات لكتب علمية يتم دراستها ومن ثم إقرار طباعتها ونشرها ضمن جهود المركز وهدفه في دعم المكتبة المعنية بتاريخ مكةالمكرمة، كما كلف المركز أحد الباحثين بإعداد عمل علمي عن (المصطلحات الحضارية في بعض الكتب المكية من القرن التاسع الهجري حتى منتصف القرن الرابع عشر الهجري). زيادة على ذلك نظم مركز تاريخ مكةالمكرمة خلال موسم حج العام الماضي 1432ه معرضاً للصور الفوتوغرافية القديمة عن الحج داخل مقر المركز وكان محل زيارة الحجاج من الخارج والداخل وذلك ضمن التعريف برسالة مركز تاريخ مكةالمكرمة للجميع. ويخطط المركز لبناء حزمة من الاتفاقيات العلمية للتعاون البيني مع مؤسسات ودور بحثية من ذات الاهتمام في سبيل خدمة الأهداف والمقاصد المحددة له ولتبادل المعلومات والخبرات العملية في إطار يسهل الحصول على المصادر المختلفة. إلى ذلك يعد مركز تاريخ مكةالمكرمة الفرع الأول لدارة الملك عبدالعزيز في تاريخها الممتد لأكثر من أربعين عاماً استنسخ القواعد الإدارية والخبرات العملية والتجارب الميدانية من الدارة وبدأ من حيث انتهت المؤسسات المماثلة، حيث تم إنشاء قسم للباحثات مع بداية إنشاء المركز ليتم من خلاله خدمة جهود المرأة الباحثة والمرأة في تاريخ مكةالمكرمة والمشاركة في خطط المركز المستقبلية واستقطاب الباحثات والتفاعل مع أنشطة المركز من قبل المتخصصات، وتكوين لجنة علمية من نخبة من العلماء الأفاضل والمؤرخين المشهود لهم بخدمة تاريخ مكةالمكرمة والباحثين وذلك لتدارس كل ما يعرض عليها من مشروعات علمية وأفكار بحثية وكذلك تشارك اللجنة في بناء الخطط المقبلة للمركز في كل مرحلة عمل تالية، وفتح باب الإسهام العلمي على مصراعيه وفق منهج محكم لكثير من الباحثين والباحثات من داخل المملكة العربية السعودية وخارجها لخدمة تاريخ عاصمة الإسلام والمسلمين ؛ مكةالمكرمة، وسيكون حاضنة فكرية وعلمية لكثير من الأفكار المتفرقة في عقول باحثي العالم الإسلامي.