إن أعظم ما يطمع فيه كل كاتب من أمور الدنيا – وخاصة الكتاب الذين يكتبون أفكارهم تحقيقا لحب الكتابة والرغبة فيها لا من يكتبون ليتكسبوا أقواتهم فحسب - أن تنتشر كتابتهم وأن يطلع عليها اكبر عدد من الناس , ودائما ما يكون انتشار كتابته خارج حدود وطنه ودولته وترجمتها إلى لغات أخرى دليلا على اتساع مجال تأثيرها ليكتسب جمهورا اكبر . ولكن الإحصاءات الدولية تقول بأن كتاباتنا العربية لكل كتابنا العرب المعاصرين على اختلاف توجهاتهم لا يترجم منها إلا النزر الضئيل جدا وذلك بالمقارنة بالترجمة العكسية من الكتابات من اللغات الأخرى سواء في الكتب بكافة تصنيفاتها أو المقالات بكافة فروعها . وتشير الإحصاءات أيضا إلى أن ترجمة الكتب العربية إلى اللغات الأخرى في الكتب التي كتبها المسلمون والعرب القدامى أضعاف ما يترجم من كتب المعاصرين وهذا يدفعنا للتخلي عن فكرة المؤامرة لننظر إلى واقعنا بصدق ولندرك أن الكتابات العربية الحالية ضعيفة القيمة وقليلة الأثر , فكل الدول والثقافات كمشترى السلع تماما لن يقبل إلا على الجيد منها الذي يظن أنه سيستفيد منه في واقعه ومستقبله . وكنتيجة لذلك حدثت هذه المفارقة , فاللغة العربية التي يتحدث بها أكثر من 480 مليون عربي وهم تقريبا يزيدون عن 7% من سكان العالم , وهي اللغة التي يطالب أكثر من مليار ونصف من البشر بتعلم ونطق عدد من مفرداتها كجزء من شعائر دينهم وهم يشكلون ما تزيد نسبته عن 21% من سكان الأرض , ورغم ذلك لا نجد لها حضورا على الشبكة العالمية ( الانترنت ) كمحتوى عربي إلا بنسبة لا تزيد عن 3% من محتوى الانترنت , وما ذلك إلا تجسيد لقلة الكتابات العربية من جهة ولضعف قيمة محتواها من جهة أخرى . ولعل هناك أسبابا عدة - يحسن عرض بعض ما تيسر منها - هي التي أدت بنا إلى هذا الانحدار في الكتابات في ظل غياب كامل أو جزئي للابتكار والتجديد والإبداع , والأمر يحتاج إلى بحث أطول وكتابة أعمق ومشاركة أوسع , فما هذا إلا طرح لبعض الأسباب : ضعف أو انعدام القراءة على المستوى العام: إن أول أسباب الضعف العام في الكتابة هو انخفاض مستوى المعرفة عند التلقي , فلا كتابة قوية بلا رصيد معرفي قوي , والسبيل الأول للتنمية المعرفية هو القراءة الحرة أو المقننة , العامة أو التخصصية , والضعف العربي ظاهر فيهما عامة احتكار كتاب التحليل السياسي للنجومية: الكتابة السياسية الصادقة تحليليا وواقعيا في عالمنا العربي في ظل المتغيرات الشديدة والتقلبات الحادة تعتبر من غرائب الكتابات. قلة أو انعدام احترام التخصص: تنتشر في غالب عالمنا العربي سمة من سمات عدم احترام التخصص , فنجد كثيرا من أصحاب الأعمدة الصحفية لا يحترمون ذلك التخصص , فربما تجد احدهم يرتدي ألوانا متضادة في كتابته , فتارة يكون ناقدا رياضيا وأخرى محللا سياسيا أو منظرا تربويا أو رجلا اقتصاديا وربما معالجا طبيا إذا احتاج لذلك ولم يكن لديه موضوع ليكتب فيه. أسلوب المبالغة والتهويل في الكتابة: لدى الكثير من الكتاب العرب آفة في الكتابة وهي التهويل والمبالغة , فدائما ما تكون العلوم الإنسانية تجريبية فليست فيها نظريات قاطعة ولا حلول جذرية تصلح مع كل الناس كل الوقت , وبالتالي فيجب أن تكون الكتابات حولها كذلك. النسخ واللصق وإعادة الإنتاج: آفة أخرى من آفات وكبيرة من كبائر الكثير من الكتابات العربية هي كثرة النسخ واللصق من دراسات وكتابات سابقة , بل ويمكن النقل حرفيا لفصل أو عدة فصول من دراسات وكتابات أخرى غير مشهورة دون اتباع الأمانة العلمية. الثقافة رتبا لا واقعا حقيقيا: يعتمد الكثيرون في عالمنا العربي في كتابتهم على رتبهم الثقافية التي يحصلون عليها سواء بالحق أو بالباطل , فمن المعروف ان عددا من المشهورين في الساحات الثقافية ينالون رتبهم بالتدليس , فمنهم من يحصل تزويرا على درجة الماجستير أو الدكتوراه من جامعة وهمية لا وجود لها ومنهم من يعهد إلى طلبة علم فقراء فيعطيهم مالا ليكتبوا له رسالة الماجستير أو الدكتوراه ليتسلمها وليناقشها ويحصل بها على الدرجة العلمية وهو أيضا تدليس ولكن بطريقة أخرى. ضعف أو انعدام ثقافة الكتابة والتدوين: للنشأة منذ الصغر عامل مهم جدا في حياة الإنسان , وكثير منا لم ينشأ على القدرة على التعبير عن أفكاره ومشاعره وخططه المستقبلية وانفعالاته عن طريق الكتابة , وساهمت جهات عدة في هذا الهجران منها طريقة التعليم ومنها الممارسة العملية ومنها سطوة وسائل الإعلام في حجب الكثيرين عن التعبير عن آرائهم الشخصية بكتاباتهم .كتابة غير صاحب الشأن أو كتابة صاحب الشأن بعد الحدث: نتج عن عدم قدرة الكثيرين عن التعبير عن آرائهم أن نقع في الكثير من كتاباتنا العربية لخطأين شديدين , أولهما كتابة غير صاحب الشأن في موضوع لم يجربه ولم يعرف عنه شيئاً ولا يمتلك فقط سوى موهبة الصياغة لما يسمعه أو ينقل له.أما الثانية أن يكتب صاحب الشأن في شأنه الخاص بعد انتهاء الحدث.