كثيرا ما نصدر الأحكام كمجتمع على الأشخاص بشكل متعجل .. وقليلاً ما نجد من يتريث قبل تشخيصه للآخرين .. وما أكثرها الأوقات التي يتبين فيها ظلمنا للغير ، فكم من شخص حكمنا عليه بالجهل لمجرد أن نطق برأي له لا يتوافق مع مرئياتنا ونظرياتنا . وكم من شخص تبين لنا مدى عمق تفكيره ، وحسن تدبيره ، وبعد أفقه ولكن بعد فوات الأوان . يحكى أن أحد الأساتذة في جامعة كوبنهاجن بالدنمارك وضع امتحانا لطلبته في قسم الفيزياء يحوي هذا السؤال :كيف تحدد ارتفاع ناطحة سحاب عملاقة باستخدام الباروميتر ؟ وكما تعلمون أن الباروميتر جهاز يستخدم لقياس الضغط الجوي .والإجابة التي يرغب الأستاذ - واضع الامتحان - أن يتوصل إليها الطلاب هي : بقياس الفرق بين الضغط الجوي على الأرض والضغط الجوي على سطح الناطحة.لكنه فوجئ بإجابة أحدهم التي استفزته وقرر من خلالها ترسيب الطالب صاحب تلك الإجابة ، وهي كما ورد في ورقة إجابة الطالب:أقوم بربط الباروميتر بحبل ثم أدلي به من أعلى سطح الناطحة ، ثم أقيس طول الحبل . فقد رأى الأستاذ أن الطالب استخدم طريقة بدائية لا تمت لقوانين الفيزياء بأية صلة ، وبالتالي لا يستحق النجاح . ولكن الطالب لم يسكت بل تظلم لإدارة الجامعة مؤكداً صحة إجابته .. وبعد طول مداولات بين أعضاء لجنة التحكيم رأت أن إجابته صحيحة و لكن ليس لها علاقة بمادة الفيزياء ولا تدل على معرفة الطالب بالمادة ، فأصدرت حكماً بإتاحة فرصة أخرى للطالب لإثبات معرفته بالفيزياء ، فأعيد عليه نفس السؤال شفهياً من قبل أحد المحكمين ، فقال الطالب : لدي إجابات كثيرة لهذا السؤال ، ولا أدري أيها أختار . فقال الحكم : هات كل ما لديك من إجابات . حينها بدأ يسرد الطالب إجاباته على ذلك السؤال على النحو التالي : 1- يمكن إلقاء الباروميتر من أعلى ناطحة السحاب على الأرض ، ويقاس الزمن الذي يستغرقه الباروميتر حتى يصل إلى الأرض ، وبالتالي يمكن حساب ارتفاع الناطحة . باستخدام قانون الجاذبية الأرضية. 2- إذا كانت الشمس مشرقة ، يمكن قياس طول ظل الباروميتر وطول ظل ناطحة السحاب فنعرف ارتفاع الناطحة من قانون التناسب بين الطولين وبين الظلين. 3- إذا أردنا حلا سريعا يريح عقولنا ، فإن أفضل طريقة لقياس ارتفاع الناطحة باستخدام الباروميتر هي أن نقول لحارس الناطحة : "سأعطيك هذا الباروميتر الجديد هدية إذا قلت لي كم يبلغ ارتفاع هذه الناطحة" ؟ 4- أما إذا أردنا تعقيد الأمور فسنحسب ارتفاع الناطحة بواسطة الفرق بين الضغط الجوي على سطح الأرض وأعلى ناطحة السحاب باستخدام الباروميتر الإجابة الأخيرة هي ما ينتظرها المحكم ليثبت من خلالها الطالب أنه على معرفة وفهم بالفيزياء .. ولكن الطالب يرى أن هذه الإجابة هي أسوأ الإجابات وأكثرها تعقيداً فارتأى استبعادها واستبدالها بأسهل الطرق وأيسرها حسب وجهة نظره . هذا الطالب لم ينجح فقط في الفيزياء .. بل هو الدانمركي الوحيد الذي حاز على جائزة نوبل في الفيزياء .. بالتأكيد عرفتموه .. إنه العالم : نيلز بور . الخلاصة : يجب أن نمتلك القدرة على الصبر والتروي .. وأن نتعلم أن التريث والهدوء .. وسبر أغوار الآخرين من خلال إتاحة الفرص لهم لطرح أفكارهم ورؤاهم هي السبيل الأوحد لإنصافهم وتجنب ظلمهم .. فربما أنهم الأقرب للحقيقة ، والأجدر بالاحترام . فقد سجل التاريخ اسم ذلك الطالب وعرفه العالم في الوقت الذي لم يعرف الناس إلي الآن اسم معلمه الذي كاد أن يقضي على مستقبله بتعجله في إصدار الحكم عليه .