هكذا تم عزل نظام الإخوان المسلمين في مصر بإرادة شعبية قوية استجاب لها الجيش، وسقطت ورقة التوت عن الجماعة والمتحالفين معها، وانكشف وجهها الحقيقي فأشعلوا نار الفتنة بهذا الحجم الرهيب من الانتقام والتحريض وبث العداوة والبغضاء، وإظهار طبيعتهم (الغاية تبرر الوسيلة) فإما السلطة أو حرق البلاد، ولو كانوا صادقين في شعاراتهم ذرة واحتكموا للإسلام حقًا، لما أريقت نقطة دم واحدة، ولما قسّموا وطنهم بهذه الحدة، وإقناعهم لبعض البسطاء بجعلهم مشاريع شهادة في معركة ليست من الإسلام في شيء، بل تسيء تمامًا للدين الحنيف، وتقوض الوطنية وتفتقد أبسط قواعد العقل والحكمة، وقد رأينا مشاهد مأساوية للعنف والقتل بدم بارد، منها إلقاء معارضين لهم من الأدوار العليا والسحل والتمثيل بالجثث. للأسف محاسبة النفس غابت تمامًا عن تلك الجماعة ومن يتبعهم منذ بداية حكمهم، وتعجلوا التمكين وانشغلوا به، حتى انكشف مشروعهم الخطير داخل مصر وخارجها، وهو ليس من الشريعة البراء ولا مفهوم الوطن وإنما التنظيم أولًا وامتداداته الدولية، فاستمرأوا الانقسام ووضعوا بلادهم على شفا دوامة عنف وقتال أهلي، لولا لطف الله ثم تدخل الجيش لينتصر لإرادة غالبية الشعب الذي عانى وعارض كثيرًا، لكن لا حياة لمن تنادي وزجوا بالأرواح في اتون محرقة الفتنة والدماء. لقد كتب النظام نهايته بأيديه لا بيد غيره وذلك عبر سلسلة الأخطاء الكارثية التي ارتكبها والإصرار عليها، وهو ما اعترف به الرئيس المعزول مرسي مضطرًا في خطابه الأخير، لكن بعد فوات الأوان اثر صدمته من البيان التاريخي لقائد الجيش، مما جعل أغلب المصريين يرفضون الخطاب الرئاسي، ويعتبرونه استفزازًا واصرارًا على استمرار تهديد سلامة البلاد ووحدتها وأمنها الوطني وأرضها وجيشها، واليوم تتمادى جماعة الإخوان في الخطأ والخطر بجعل أنفسهم في مواجهة مباشرة مع الشعب والجيش والشرطة مثلما كان هجومهم الممنهج على القضاء. واليوم أيضًا جعلوا معركتهم باسم استعادة الشرعية، أي عودة النظام، وهم يعلمون جيدًا أنه لن يعود لكنها ورقة تفاوض لخروج آمن لن يكون متاحًا لهم بدون عدالة، لأنهم لم يتركوا عذرًا لأنفسهم أمام الرأي العام الذي ملأ شوارع مصر، فتدخل الجيش في الوقت المناسب استجابة لطلبه، ولو تأخر أيامًا قليلة لربما كان في مواجهة خطيرة مع الشعب. الجماعة ونظامها المخلوع يروجون لفتنة جديدة بترديد مصطلح الانقلاب العسكري لتحريض أتباعهم وتحريض الخارج، وهذا أمر خطير تنبه له المصريون فورًا، وتأكدوا من الأبعاد الحقيقية للمخطط، مثلما تأكدوا مبكرًا لجدية التمكين وإعلاء شأن الجماعة على مفهوم (الدولة والوطن) في أدبياتها، وعدم الأولوية للاقتصاد المتهاوي والأمن المفقود وتزايد الجماعات المتطرفة والإرهابية، ثم الاستقواء الصريح بالخارج فسقطت الورقة الأخيرة عن عورات هذا التنظيم وخطورته داخليًا وخارجيًا ، فكان آخر الدواء الكي. واقع الحال يقول أن ما انتهت اليه تلك الجماعة بأخطائها وانكشافها وإزاحتها، أنها مقبلة بالتأكيد على أزمة قبول وسيطاردها شبح أخطاء تجربتها طويلًا، وأن مشاريعها بهذا الشكل ليس لها مكان فوق الأرض، إلا في فوضى هدامة إذا غفلت عن شررها وشرورها الدول والشعوب. كاتب وباحث أكاديمي [email protected]