التاريخ ذلك العلم الذي نستقي منه المعرفه والعلم , ننهل منه أخبار الشعوب والعالم القديم , تاريخنا وتاريخ أجدادنا , تمر بمخيلتنا أحداثه , تفاصيله , ورواياته , البعض منها يقبله العقل والبعض الآخر نجده خرافياً ولكن نقبل التصديق به لأنه تاريخ ونؤمن به دون تمحيص أما الآخر فلا نقبل به ونتخطى وجوده،ومن تلك التفاصيل تأتي الروايات التاريخية التي تسبق فتحاً معيناً أو انتصاراً عظيماً. فبعض الروايات أساطير تتلى على مسامعنا حين الولوج لخضم إنجاز ومن تلك الروايات رواية طارق بن زياد ذلك الفاتح الذي استطاع أن يفتح الأندلس" أسبانيا حالياً" عام 92 ه/ 711 م وبقيت مقولته الشهيرة عالقة بأذهاننا وهي:( العدو من أمامكم والبحر من خلفكم. ) وهذا حينما عبر هو وجنده مضيق جبل طارق الذي سمي فيما بعد باسمه استعداداً للفتح فاحرق السفن وردد مقولته الشهيرة كناية عن "يا انتصار يا استشهاد" فلا مفر أو عودة . مقولة محفزة بلا شك وتمتلئ الأنفس بها همة وهذا ما جعلنا في قاعات الدراسة ننتظر بلهفة بقية القصة لنصل إلى الفتح العظيم ولكن هل تلك المقولة صحيحة؟ , هل قالها القائد طارق بن زياد ؟, هل غامر بأرواح المسلمين وأحرق سفن العودة ؟, هل حاسبه القائد موسى بن النصير على إحراقه السفن؟ , هل السفن كانت خاصة فقط بالمسلمين أم كانت أيضاً لبعض الفئات الرافضة لحكم لذريق من المسيحيين؟.نحن نعلم أن طارق بن زياد من أصل بربري وخطبه كخطبته القوية تحتاج إلى شخص ضليع باللغة العربية وبلاغتها بالإضافة إلى أن هذه العبارة درست واستوعبنا مضمونها على أساس أنه إحراق ماذا لو وضعت استنتاجات أخرى بأن طارق بن زياد أمر بأن تذهب السفن عن الشاطئ حتى لا يكتشفها العدو , أو أنه قالها للتحفيز ولم يكن هناك إحراق . يذكر الدكتور عبد الحليم عويس في كتابه ( إحراق طارق بن زياد للسفن أسطورة لا تاريخ ) نقلاً عن عبد الحميد عيسى من كتابه ( الفتح الاسلامي للأندلس ) أنه حين العودة لرواية المقري وابن الكردبوس يتضح قصه الجاسوس الذي وضعه لذريق في جيش طارق بن زياد ويعلم طارق بن زياد به ويستعمل الحيلة لإيقاع الخوف والرعب في نفوس أعدائه حينما يأمر الجنود المسلمين بتقطيع لحوم الموتى من الأسرى الأعداء استعداداً لطهيها وتناولها في العشاء وفي نفس الوقت يكون هناك لحوم أبقار وأغنام قد قطعت واستبدلت مكان لحوم الأعداء التي دفنت ولم تطهى ولكن لأسلوب الإشاعة دور ومن هذا المنطلق ربما قصة إحراق السفن إشاعة أراد بها طارق أن تصل إلى أعدائه كناية عن الشهادة أو الانتصار وهو ما ينادي به المسلمون في المعارك فهم يحاربون من أجل العقيدة دائماً. ومن قصه طارق بن زياد تأتي روايات وأساطير كثيرة تضمها الكتب التاريخية البعض منها ربما يكون صحيحاً والآخر يحتاج إلى تمحيص ومهمتنا نحن كباحثين وقراء أن لا نسلم بالمعلومات من الوهلة الأولى فلندع الفكر والعقل والتساؤلات تنهال لنخرج بفكرة صحيحة ومعلومة صائبة .