في عرض مياه الخليج ،بالقرب من إمارة الفجيرة الإماراتية في خليج عمان والتي تشهد حركة عبور بحرية نشطة، جاءت من هناك بوارج بحرية غربية غريبة ،في إطار ما سمي بدول التحالف، وذلك منذ أوائل التسعينات، في إطار الحرب على العراق، وازدادت حركة المرور البحرية بعد حرب الخليج الثانية، حتى كاد القول بأن مياه الخليج لم تعد تعير الأمر انتباهها، فهدير المحركات ومناورات السفن كدرت صفو البحر وحنوه، علاوة على ما تقذفه تلك البارجات والسفن العملاقة من نفايات ومخلفات تغضب البحر وتكدر صفاءه، وتحد من عطائه للإنسان، وحتى أنها أثرت على تلك العلاقة الحميمية بين إنسان الخليج والبحر، والضاربة في التاريخ، فالبحر صديق، والبحر مصدر الرزق ولشاطئه يبوح بأحزانه، ومن مائه الملح، ومن أعماقه الدر واللؤلؤ، ولابن الخليج مع البحر قصص وروايات وأساطير، هو البحر.... واليوم يبدو أن تلك القطع البحرية استباحت حرمة البحار في خليجنا وحرمة وخصوصية العلاقة المتميزة بين البشر والبحر، بعد أن أخذت تجوب البحر طولاً وعرضاَ، تلك هي هواجس وأفكار تناهبت مخيلتي بعد ان تلقيت دعوة من قيادة قوات التحالف البحرية المتمركزة في المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، ضمن دعوة مختصرة جدا وكنت أحدهم، وما كان مني إلا أن ألبي هذه الدعوة الفريدة من نوعها والغريبة على مثيلاتها من الدعوات فتوجهت إلى مكان التجمع ليصار إلى نقلنا حتى متن البارجة «طارق بن زياد» والتابعة للقوات البحرية الباكستانية المشاركة في القوة الدولية، لتكون محطتنا، في عمق خليج عمان، بعد أن انقطع إرسال هاتف (الجوال) وغابت أصوات السيارات والمارة وضجيج المدينة وزحمة الطرقات في شوارع دبي وتناوبتني مجموعة كبيرة من الأفكار، «طارق بن زياد» ذلك الفاتح المسلم والذي أطبقت شهرته الآفاق، لينشر رسالة المحبة والإخاء والسلام للشعوب، رافعاً راية الإسلام بما تمثله من عزة وكرامة ومحبة للبشرية جمعاء، واليوم على متن البارجة «طارق بن زياد» لتزدحم الصور في مخيلتي، وتكثر التساؤلات، لماذا طارق بن زياد؟.. وهل كانت التسمية تيمناً بسفن طارق بن زياد والتي أحرقها ليحث مقاتليه على الجهاد والاندفاع قدماً بعد أن صاح على مسمع مقاتليه «البحر من ورائكم والعدو من أمامكم ،،، ومالكم والله اليوم إلا ما تغنموه من أيدي أعدائكم......... وكانت إلى آخر الملحمة التاريخية...؟؟ عذراً طارق بن زياد فنحن على بارجة رفعت اسمك؟؟؟ ولكن؟؟؟ كما حملت عبارة» تدمر كل شيء بأمر ربها.. هكذا كتب عليها.. وكتب على مقدمة الطائرة «الهيلكوبتر» الجاثمة فوقها عبارة: (الله أكبر) لتختلط الصورة في لوحة تشكيلية يصعب فك رموزها وخطوطها العبثية بشكل مريب! وأحيانا تغدو الصورة أبلغ من الشرح والتفصيل؟؟؟ صعدنا ظهر البارجة وكان في استقبالنا على المدخل الخشبي وسط أعلام مزركشة بألوان قزح، وتحمل أحرفا أعجمية، وسط تهليل وترحيب بلغات أعجمية وهمهمات لا نفهمها، وابتسامات عريضة بروتوكولية، وأكفهم متيبسة مفتوحة بين الصدغ والأذنين، معتمرين بدلات زرقاء مزينة بالنياشين والنجوم على الأكتاف، تحية للضيوف، وسط هذا الكرنفال، أخذنا نرد عليهم الابتسامة الصفراء بمثلها بل بأحسن منها، فابتساماتنا أكثر صفرة وفاقعة بلون المجاملات، لأننا نجهل الخبرة العسكرية وكذلك المصطلحات التي نحاور بها ربان هذه الفرقاطة، وعلى سجادة مسكينة ندوسها إلى ممر آخر وصلنا لمكان استقبالنا، كان محدثنا الكابتن البحري «محمد أمجد» الضابط القائد للبارجة الباكستانية، والذي خصني ببعض من حديثه ليقول انه انتسب للبحرية الباكستانية عام 1985م، نال دراسة تخصصية كضابط بحري في أحد المعاهد المتخصصة بالولايات المتحدةالأمريكية ودرجة الماجستير في أنظمة الاتصال البحري من أحد الكليات المتخصصة في بكين، وعاد لبلاده لينخرط للعمل على متن العديد من السفن والقطع البحرية الباكستانية وعلى متن البارجة الباكستانية الشهيرة «شاه جاهان» وانتقل محدثي الكابتن «محمد أمجد» ليصف لي البارجة «طارق بن زياد» قائلاً: تعتبر هذه البارجة أحد أهم القطع البحرية كمدمرة مجهزة بأحدث التقنيات وأنظمة التسليح المتطورة، لدى الأسطول البحري الباكستاني، وعن خلفية إطلاق هذا الاسم على الفرقاطة أجاب بقوله:أطلق هذا الاسم مأخوذا عن أمجاد الفاتح العظيم «طارق بن زياد» بعد أن اجتاز ما سمي فيما بعد ب «جبل طارق» وأدى ذلك إلى توسع رقعة الفتح الإسلامي والدور الإسلامي في أوروبا، وحياته الحافلة بالإنجازات والتي تعتبر إلهاماً ومصدر فخر للمسلمين في أرجاء الأرض، وأكد أن كل رجال البحرية الباكستانيين العاملين على متن هذه الفرقاطة يشيرون بالفخر والكبرياء لأنهم يعملون تحت علم طارق بن زياد والذي يعتبرونه أحد أهم الرجالات العظام في تاريخنا الإسلامي. و عن تاريخ الفرقاطة التقني ومسيرتها في الخدمة البحرية تابع الكابتن «أمجد» بقوله: تعتبر الفرقاطة «TAREQ D-181» احدى القطع البحرية المتعددة الأغراض، وهي نفس الفرقاطة «HMS AMBUCADE» سابقاً، والأولى من هذا الطراز حيث تم إنتاج «21» قطعة بحرية في شركة «YARROW LTD» في مدينة «جلاسكو» البريطانية، وتم الإعلان عنها في 17 يناير عام 1973 م لتدخل الخدمة في البحرية الملكية البريطانية عام 1975م «HMS AMBUCADE» لتكون السابعة في البحرية البريطانية تحمل هذا الاسم، وتتنوع مهام الفرقاطة من أغراض التدريب إلى مهام الحراسة البحرية ونفذت العديد من الزيارات في المحيطات أوقات السلم كما مشاركتها في حرب «الفوكلاند» بين بريطانيا و«الأرجنتين» أوائل الثمانينات. وتابع الكابتن «محمد أمجد» أن الفرقاطة «طارق بن زياد» دخلت الخدمة لدى البحرية الباكستانية في 28 يوليو عام 1993م ولتكون السفينة الثالثة تحمل هذا الاسم في البحرية الباكستانية، من ضمن ست فرقاطات باكستانية على شاكلتها. وعن طبيعة المهمة والدور الذي تؤديه الفرقاطة الباكستانية «طارق بن زياد» في مياه الخليج في إطار القوة البحرية لقوات التحالف الدولي أكد الكابتن «أمجد» أن الفرقاطة تؤدي مختلف المهام البحرية من أغراض التفتيش والمراقبة ومتابعة السفن حتى مغادرة المياه الإقليمية قطاع منطقة الاختصاص تحت قيادة موحدة، وفي إطار الحملة الدولية على ما سمي بالإرهاب في المنطقة، وقراصنة البحار ولخدمة أعمال قوات التحالف، حيث نفذت الفرقاطة العديد من مهام التفتيش البحرية على القطع والسفن في عرض البحر بنجاح كان محل إشادة وإعجاب قيادة التحالف. ويقول الكابتن محمد أمجد نحن ننشد السلام في أرض السلام والإسلام ومهمتنا إنسانية أيضا حيث نقوم بإنقاذ أي شخص يتعرض للاعتداء أو الغرق في هذه المنطقة التي نحن مسؤولون عن حمايتها من أي جسم غريب او أعتداء خارجي حسب التعليمات المنوطة لنا والأوامر التي نلتزم بها، وقال إن هذه البارجة يوجد فيها 290 شخصا من مختلف أصناف الرتب والمؤهلات والإختصاصات من ضباط وضباط صف وأفراد وفنيين وأطباء ورجال خدمات أخري فنية وعسكرية وطبية وغذائية، وهي تحمل عدة صواريخ ورشاشات تقيلة وخفيفة وعدة زوارق بالإضافة الى طائرة الهيلوكبتر الموجودة على سطح الفرقاطة، وقد ودعنا الكابتن وطاقم البارجة بعد أن تناولنا وجبة الغداء معا في احدى قاعات البارجة وكأننا نسكن في فندق خمس نجوم بعد أن حاورنا الكابتن في صالة مخصصة للمؤتمرات داخل هذا المكان الذي نجهل فيه الكثير، ولكن لندع الصور تتكلم والقارئس يتأمل هذا التحقيق المصور من على ظهر (طارق بن زياد)!