تحل الذكرى الخامسة والستون لنكبة الشعب الفلسطيني هذه السنة في ظل متغير ضخم، قلب الموازين وأطاح بتيارات ورفع أخرى، بعثر أوراق قوى دولية، دفعها لإعادة حسابات ظل تعدها لعقود، قبل أن تستفيق على واقع جديد له ما بعده. وفي المقابل، تمر ثلاثة أعوام على انطلاق شرارة ربيع العرب، والذي أعاد الأمل للشعب الفلسطيني قبل أن يعيده للشعوب التي أشعلته، وما ذلك إلا لإدارك الشعب الفلسطيني الثابت أنّ المراهنة دائما وأبدًا كانت على الشعوب التي قيدتها أنظمتها عقودا باسم قضية فلسطين زورًا وبهتانا. من تونس إلى مصر واليمن، مرورًا بليبيا ، كان الشعار العربي الخالد "الشعب يريد" يشمل فلسطين وقضيتها إلى جانب المطالب الشعبية لأبناء هذه الشعوب الذين وإن انشغلوا مؤقتاً بهمّهم الداخلي، لم ولن ينسوا قضية اعتبروها مركزية بحق. خمسة وستون عاماً، مرّت على نكبة فلسطين، وبقيت الذكرى حاضرة في ضمير شعوب غُيبت قسرا، فالكبار ماتوا، صحيح، ولكن صغارهم لم ينسوا، بل شكّل نضال الفلسطينيين بعد نكبتهم ونكستهم عامل إلهام لشعوب اعتمل في أعماقهما الغضب لدرجة الغليان ليتحول إلى بركان متفجر في وجه فساد وظلم وقهر لا يختلف عما مارسه الاحتلال الصهيوني وما زال بحق الفلسطينيين جيلاً بعد جيل. أكثر من ستة عقود مرت على فلسطين وهي تحت الاحتلال، سنوات كانت كفيلة بأن يطرأ خلالها تغيير جوهري في وعي الشعوب قبل أن يرتشف شبابها الثائر ترياق الشفاء، لتتفوق على نفسها وتنجح في طرد الرّعب وتحطيم حواجز الخوف الوهمية.في ذكرى النّكبة نستحضر عدة معان، فشل الاحتلال خلال عشرات السنين الماضية بمحوها من ذاكرة الأجيال، ونحاول أن نربطها بما نراه ونلمسه من معان حاضرة في ثورات الشعوب العربية اجترحها شباب عربي خرج من قمقم التجهيل والتغريب الذي أرادته الأنظمة المتهاوية. من معاني ذكرى النكبة، أنّ حق العودة لا يسقط بالتقادم، وفرض سياسية الأمر الواقع بالقوة . من معاني ذكرى النكبة أنه لا يضيع حق وراءه مطالب، فأجيال من الفلسطينيين اتخذت من النكبة وألمها جرس تنبيه سنوي يذكّرون فيه بعضهم البعض بأن الأرض مسلوبة ولا بد من استرجاعها، وهذا ما رأيناه أيضا في أجيال من شباب الميادين العربية وساحاتها، لم تكل أو تمل من السعي وراء حقها في الحرية والكرامة. من معاني ذكرى النكبة، أنه ما حك جلدك مثل ظفرك، فكان لا بد من الاعتماد على الذات وايجاد حركة وطنية فلسطينية تقود مشروع التحرر، وفي الرّبيع العربي تيقنت الشعوب المقهورة أن الحرية مهرها غال، و انتزاعها من أنظمة الاستبداد لا يكون إلا بمبادرة ذاتية تستمد قوتها من إيمانها وقيمها وثوابتها، ولو ببذل الدماء. بعد خمسة وستين عاما على نكبة فلسطين، يأتي الربيع العربي ليستلهم من القضية المركزية معاني التضحية من أجل الحرية والكرامة، ولتكون فلسطين هي البوصلة . أن تكون فلسطين هي البوصلة، لا يتناقض مع تحقيق الشعوب لأهداف ثاروا من أجلها، وانهماك أنظمة جاءت بها ثورات الربيع في تسيير عجلة الانتاج والانجاز، لا يعني بحال من الأحوال الانكفاء الى الداخل، بل العكس، نراه استعدادًا لمرحلة يتوج فيها العرب ربيعهم بزهرتهم الأجمل، وهي فلسطين.