في كل مرة أقرأ أو أسمع أو يصلني خبر اعتداء من أي نوع تعرض له أي طفل إلى درجة اغتصابه أو موته بسبب خدم المنازل أو عمال المدارس وغيرهم، أدعو لوالدتي بطول العمر والصحة وأن يجزيها الله خير الجزاء ، فقد ربت وأجزلت النصح والرعاية دون مساعدة من خادمة أو مربية، وكنا ثمانية أبناء نجحنا جميعنا في شق طريقنا في الحياة بأقل قدر من الإخفاقات والمتاعب، وكانت هي سببا أولياً ورئيساً في الحصانة النفسية والأخلاقية التي أعانتنا على عبور كل المنعطفات والمطبات والمآزق. كما أدعو لكل أم وعت تماما حقيقة الأمومة ومعنى أن تكون المرأة أمّاً مسؤولة عن أمومتها ودورها وأثرها على أبنائها! في كل مرة يتناقل إعلامنا خبر اغتصاب طفل أو طفلة أتذكر الطفلة البريئة « ليلى» التي اغتصبها عامل مخبز آسيوي في ثمانينيات القرن الماضي ثم قتلها ووضع جثتها في كيس وتخلص منها، تلك الجريمة البشعة التي هزت وجدان مجتمع الإمارات من أقصاه إلى أقصاه ولم يهدأ له قلب حتى اكتشف القاتل وتم إعدامه، أتذكر «ليلى» كل يوم لأن ورداً أبيض من نوع الفينكا أو الوينكا قد يتفتح في منزلنا في تلك الأيام فأطلقت عليه والدتي اسم ليلى، ومن يومها ونحن نسمي زهرة الوينكا باسم ليلى، ليلى البريئة الجميلة التي وأد طفولتها وحش آدمي كان يعيش بيننا بقلب ميت، وكنا بعد لم يخطر ببالنا شيء عن هذه الوحوش التي تزايد افتراسها لأطفالنا وبوتيرة متسارعة منذ تلك الواقعة! في كل مرة يتم القبض فيها على خادمة دسّتْ شيئاً من سوائل المنظفات في حليب طفل، أو مارست عليه تعذيبا من نوع ما، أو وضعت له مخدراً كي تتخلص من صراخه، أتساءل بغضب: أين والدة هذا الطفل؟ كيف قبلت أن تأمن غريبة على طفلها أو طفلتها؟ وكيف لا تشعر بمعاناته وآلامه؟ فأين مشاعر الأمومة وحسها وحساسيتها؟ وعندما أعرف أن أما ما قايضت حياة طفلها براتب الوظيفة - أيا كانت تلك الوظيفة - أحمد ربي أن أمي لم تكن متعلمة ولم تكن موظفة لكنها كانت أما عظيمة، كما أمهات كثيرات لم يعرفن الطريق لأية وظيفة بالرغم من أن الطريق لواجبات أمومتهن لم يكن مفروشاً بالرياحين، فقد كان الزمن عصيباً والعيش ليس بالسهولة التي نتصورها، لقد كن أمهات عظيمات وكفى! ما يحير ويدفع للتساؤل هو: كيف لا تشعر الأم - أية أم - أن طفلها يتعرض للاعتداء بشكل يومي؟ فإن لم تشعر لأي سبب أو عذر - رغم عدم قبول الأعذار في هذه الحالة - ألم تكن ترى آثار الضرب أو الاعتداء ؟ ألا يتوجب أن تظهر آثار ما على أي طفل يُعتدى عليه بشكل متكرر ، آثار على جسده وصحته ونشاطه وعلاقته بتلك المسماة «المربية» كالخوف أو النفور مثلا ؟ فإن كان صغيراً جداً على إظهار مشاعره أو الحديث عما يتعرض له ألا يفترض بالأم أن تتفقد طفلها جسديا في لحظات حميمة كوقت الرضاعة أو الاستحمام أو تبديل الملابس؟ أم أن بعض الأمهات ما عادت هذه المهام تدخل في نطاق مهامهن اليومية؟ يفترض المنطق والمجتمع والمهتمون بشؤون التربية أن الأم هي المخولة الوحيدة فيما يخص تفقد احتياجات طفلها والتلامس معه بشكل حميمي، وأن على الأم أن تُحَرِّم على أي كائن آخر - غيرها - أن يلمس طفلها أو يقدم له ما يخص طعامه واحتياجاته الحميمة، وأن تعلمه منذ سنواته الأولى كيف يحمي خصوصية جسده وأن لا يدع أحدا يلمسه، فإن تعرض لاعتداء جاء إليها ليخبرها، هذه أبجديات في أصول التربية يبدو أن كثيراً من الأمهات لا يلقين لها بالا للأسف، لذا كثرت حالات الاعتداء على الصغار. كاتبة اماراتية