بات واضحاً ومنذ أكثر من شهر بأن كوريا الشمالية هي من يصنع الحدث، وأن الولاياتالمتحدة، ومن يدور في فلكها «اليابان وكوريا» في موقع رد الفعل، حيال إصرار بيونغ يانغ، على إجراء تجربة إطلاق صاروخ باليستي، قادر على حمل رأس نووي، لمسافة تزيد عن 4000 كيلومتر، وذلك في الذكرى أل(101)، لميلاد الرئيس الأول لكوريا الشمالية، الراحل كيم إيل سونج، وفي الذكرى السنوية الأولى لتولي حفيده كيم جونغ أون سدة الرئاسة.وجاءت هذه التطورات، في ظروف إجراء الولاياتالمتحدة مناورات عسكرية مشتركة، مع القوات المسلحة لكوريا الجنوبية، وبعد مسلسل العقوبات، الصادر عن مجلس الأمن، أو العقوبات الأحادية الصادرة عن دول الغرب، ذلك المسلسل، الذي لم يتوقف، بحق كوريا الشمالية وآخرها قرار العقوبات، الذي فرض عليها، بعد إجرائها تجربة إطلاق صاروخ باليستي بعيد المدى، في كانون أول الماضي، يصل مداه(4000) كيلومتر، وقادر على الوصول لطوكيو وسيول وجزيرة جوام في المحيط الهادي، بالإضافة إلى إجرائها تجربة نووية.الرسالة التي يرفض الغرب التعامل معها، وهي أن كوريا باتت دولة نووية بامتياز، وأنها لن تتوقف، عن تطوير برنامجها النووي وعن صنع الأسلحة النووية، حيث لم يتوقف الغرب عن استخدام أسلوب الترغيب والترهيب، لإجبارها، أو إقناعها، لإغلاق مفاعلاتها النووية والتخلي نهائيا عن برنامجها النووي، لا سيما وأنها لا تحصر العلم النووي بنفسها فقط، بل تقوم بتصدير هذه التكنولوجيا لبعض دول العالم الثالث، لمواجهة العدو المشترك، ألا وهو الولاياتالمتحدة. لقد تمكنت كوريا الشمالية ومنذ أكثر من ست سنوات من اللعب على قضية المفاوضات، مع الولاياتالمتحدة، وبمشاركة كل من الصين وروسيا، بشأن وقف تخصيب اليورانيوم، وكانت تتظاهر بأنها تستجيب لمطلب الولاياتالمتحدة، لكنها عملياً كانت تشتري الوقت، من أجل صناعة أكبر كمية من الصواريخ النووية هذا( أولاَ )، ( وثانياً) من أجل ابتزاز الغرب للحصول على تكنولوجيا مفاعل الماء الخفيف، لتوظيفه في الاستخدامات المدنية،(وثالثا) ومن أجل الحصول، على المساعدات الغذائية، من المجتمع الدولي جراء الجدب الذي أصاب البلاد، في السنوات السابقة.وزير الدفاع الأمريكي ريتشارد هاجل يهدد، ويلوح باستخدام قاذفات القنابل النووية، والصواريخ النووية، المنتشرة في أكثر من قاعدة بحرية في المحيط الهادي، ويحذر كوريا الشمالية، من اللعب بالنار واليابان مستنفرة، وتستعد لنشر صواريخ باتريوت، في جزيرة أوكيناوا، ودول الثمانية الكبار تدين وتشجب، وكوريا الجنوبية تفقد أعصابها وروسيا والصين، تنددان بتحدي بيونغ يانغ، لقرارات مجلس الأمن. لكن بيونع يانغ، تتعامل مع الأزمة بهدوء، وتتصرف كدولة عظمى فهي تنقل صاروخي موسودان، إلى ساحلها الشرقي، وتضعهما على منصات الإطلاق، وتهدد بقصف العاصمة وواشنطن، وطوكيو وسيول ونسف جزيرة غوام، وفي ذات الوقت يوقع الرئيس كيم جونغ أون، أمر الرد النووي لوزير الدفاع، في حال استشعاره، لهجوم أمريكي مفاجئ. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي أبعاد ومغزى هذا التصميم الكوري الشمالي، رغم حالة العزلة والحصار، التي تعيشها هذه الدولة الشيوعية الستالينية؟؟ الجواب في التقدير الموضوعي يكمن في ما يلي: أولاً : أن تجارب إطلاق الصواريخ الباليستية، وتشغيل جميع محطات الوقود النووي، من المنظور الكوري الشمالي، تشكل تهديداً مسبقاً بالردع النووي، للولايات المتحدة وحلفائها، وحتى لايساورهم أدنى تفكير بضرب كوريا الشمالية في المستقبل. ثانياً : أن بيونغ يانغ، تريد اختبار الموقف الحقيقي، لكل من موسكو وبكين بعد انتهاء القطبية الأحادية، للولايات المتحدةالأمريكية رغم الإدانات الشكلية الصادرة عنهما، حيث إنهما لم تلتزما سابقا بالعقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، من قبل مجلس الأمن الدولي. ثالثاً : أن قيادة الحزب والدولة في كوريا الشمالية، مطمئنة لوقوف الشعب وراءها، ومستعد للتضحية، في ضوء الالتزام الصارم بفكرة « زوتشة « التي تقضي بالاعتماد على الذات، والتضحية، في سبيل الحفاظ على سيادة البلاد واستقلالها.