كما هو حال الحزن، للفرح أيضاً ربكته وفوضاه؛ فكل الحواس في فوضى، عجزت أن أُسير أية حاسة وأوجهها للكتابة في موضوع يترجم هذه الحالة الجماعية من الفرح والبهجة, تعطلت كل الحواس وانشغل القلب بالرقص على أوتارها.. فاشتغلت الأوتار وتعطلت في الوقت ذاته ورفضت العمل إلا لمصلحته. فحاسة النظر لن تميز إلا ألوان البهجة، وحاسة السمع لن تنصت سوى لصوت الضحك، وحاسة اللمس لن تدرك سوى الرقيق، وحاسة التذوق لن تعرف إلا اللذيذ وحاسة الشم لن تستوعب سوى العطر. إنها البهجة.. التي تحول الحياة لسمفونية جمال لا حدود له.الفرح الحقيقي ليس حظاً ولا منحةً، إنه عرقٌ غزير بعد تعب وجهد وصدق، وضحك طويل بعد جد كثير وعناء، الفرح الذي يأتي بعد صبر طويل هو الفرح الذي يدوم كثيراً بعد أن تغلل في نفوس من صنعوه وترسخ في عقول من حولهم، وتحول إلى ثقافة يحتذى بها مريدو النجاح والتميز، فالفرح الحقيقي هو ذلك النوع الذي يفرض ثقافته على الآخرين سلوكاً ونهجاً. الفرح والسعادة ليس شعوراً وقتياً، ليست مشاعر تأتي كرد فعل لأمر طارئ يزول بزوال الأمر، إنما هي فلسفة حياتية وكما يقال أسلوب حياة، يعيشه الإنسان كل يوم في ممارساته وجل أموره، ويراكم في تفاصيله ليبني جدارها الحصين لبنة لبنة، تتراكم في ثقافته وتنتقل إلى الآخرين المحيطين به وتتحول مع الإصرار والصدق والالتزام والجدية في التطبيق إلى حالة وطنية، يعتني بها الجميع على كل المستويات. لا يتحقق الفرح بمعناه الأشمل والأصدق إلا ضمن التمييز الذي تحققه الجماعات، والذي يتفاعل فيه الجميع عبر فرق مختلفة كل يخدم في تخصصه بروح الجد والالتزام، وهذا ما كان وما كنت جزءاً منه في مشاركتي المتواضعة عبر الملحق الرياضي لصحيفة الاتحاد عبر تغطيته الصحفية المميزة لبطولة كأس الخليج في البحرين، وكذلك ما كان عبر قناة أبوظبي الرياضية. تمكن الإعلام من بذر ثقافة نجاح في أرضٍ واستحق بصدق جني ثمار الفرح الذي يجب أن يعاد استغلال بذره من جديد في أراضٍ جديدة، وقتها.. وإن حدث ذلك يحق لنا أن نطلق على هذه الحالة ثقافة الفرح.