بدأ العالم في الدخول بقوة في براثن أزمة مالية شاملة. فقد عززت أحداث أيلول (سبتمبر) 2001م من التوجه بقوة نحو الاستثمار العقاري الغربي والأمريكي، وكعادتها دائماً، غذت البنوك الغربية ذلك التوجه، من خلال منح تيسيرات كبيرة ودون ضمانات مقبولة، وفي الوقت نفسه، وعلى أثر حالة عدم الاستقرار السياسي التي تلت أحداث أيلول (سبتمبر)، بدأت أسعار النفط في التصاعد غير المسبوق، أدى هذا إلى زيادة الاعتماد على الوقود الحيوي (الذرة والسكر والقمح)، وهو ما خلق أزمة طاحنة في سوق الغذاء العالمي.كان لابد للمستور أن ينكشف وأن يتوقف القطار في مرحلته الأخيرة ... وها هو قد توقف ولكن - وكالعادة - بعد أن دهس وطحن وشرد الملايين في أرجاء المعمورة كافة. وها هي السياسات الحمائية تعود من جديد....وها هي الدولة تعود من جديد ليكون لها دور في إدارة عجلة الاقتصاد من خلال تملك حصصاً في البنوك وغيرها من المؤسسات. بل وعلى المستوى التجاري يمكن الحكم على جولة الدوحة بالموت بعد فشلها الذريع أخيرا، وهو ما يعني أن هناك خطأ ما في هذا المشروع... وها هي الدولة تعود من جديد لاستخدام أدوات جون ماينارد كينز (1933م) وخاصة آلية تنشيط الطلب (الطلب الفعال) للخروج من شبح الركود... من خلال خفض أسعار الفائدة، وهو ما يعني زيادة السيولة لدى الأفراد، وبالتالي زيادة الطلب أملا في أن تعود الحياة إلى سابق عهدها. نعم ستعود الحياة إلى سابق عهدها، ولكن.. بعد أن وقعت الواقعة.. وبعد أن حدث الانهيار وبعد وقوع الضرر... فقد قضي الأمر.. فقد أثبتت التجربة أن دور البنيان المؤسسي العالمي (كصندوق النقد والبنك الدولي) لاحق على وقوع الأزمة وليس سابقاً عليها.. فأين دورها السابق؟ ولهذا لم يشفع للموجة الحالية من العولمة وجود كيانات مثل تلك التي أشرنا إليها، لأنها في حقيقتها كيانات تخدم مصالح القلة من المنتفعين من تلك الفوضى. فها هو التاريخ يعيد نفسه، وستظل البشرية تعايش عملية الهبوط والصعود في الأنظمة الوضعية.. فالاقتصاد الرأسمالي يعرف بأنه اقتصاد الأزمة.. وهو اقتصاد يمر بدورات يعرفها كل اقتصادي.. وها نحن في مرحلة الركود والانهيار وعلينا أن ننتظر أشهرا وربما سنوات حتى تعود العجلة للدوران من جديد. الخلاصة أنه في ظل ما خَلُصت إليه بأن مشروع العولمة مصيره الانهيار لا محالة، كان لا بد من تقديم حل؛ وكان الحل - في رأيي كباحث - يتمثل في تخريج رؤية بديلة، تنقذ البشرية من تلك الدوامة (دوامة الصعود والهبوط في الأنظمة الوضعية). فكان مقترح الدراسة آنذاك هو أن نعد نحن العرب والمسلمون العدة لإنقاذ العالم من تلك الورطة والدوامة المستمرة، وذلك بتقديم رؤية إسلامية شاملة ومستقرة، من خلال ما أسميته "الإطار الإسلامي للنشاط الاقتصادي".