هناك مغالاة من جانب المعارضة -وخصوصاً جبهة الإنقاذ- في مبررات عدم تلبية دعوات الرئاسة المتكررة للحوار الوطني حتى بات الرفض والمقاطعة هما العنوانان الرئيسيان للجبهة، هي لا تستجيب ولا تطرح بدائل مقبولة ومعقولة، بل تتعمد رفع سقف الشروط، لذلك تجد الرئاسة صعوبة في التجاوب مع كل تلك الشروط، نعم هناك فقدان ثقة تجاه مصداقية وجدية كل ما تطرحه الرئاسة من مبادرات، وهناك شكوك في كل خطوات الرئاسة، لكن لا يعني ذلك أن تظل الجبهة في الخانة السلبية وتكتفي بالنقد ورد الفعل، لماذا لا تكون إيجابية وتجلس للحوار على الهواء مباشرة لتقول ما تشاء وتقيم الحجة على الرئيس ونظامه أمام الشعب فتكتسب الثقة في كونها تريد الحل والإصلاح فذاك أفضل من أن تلصق بها تهمة الرفض المطلق للحوار مع رئيس لامجال لإسقاطه على طريقة مبارك، فقد فشلت تلك المعارضة منذ احتجاجات الإعلان الدستوري في 21 فبراير ولليوم في توفير حشود شعبية مليونية حقيقية لإجباره على الاستقالة أو الدعوة لانتخابات مبكرة، لا يجب أن تضيف المعارضة عناوين جديدة لها بأنها مفلسة وتمارس الهروب للأمام وتوفر الغطاء للتخريب وسفك الدماء ودفع البلد للهاوية. أما أهل الحكم من رئاسة ومعها حزب الحرية والعدالة فإنهم يخطئون عندما يتعاملون مع المعارضة بمنطق أنها أقلية غير مؤثرة لا هدف لها إلا التعطيل وتعجيز الرئيس وإفشاله لأسباب أيدلوجية فكرية وليس لخلافات سياسية هدفها المصلحة العليا للوطن، صحيح أن جانباً من هذا الكلام قد تكون له وجاهة خصوصاً من القوى ذات التوجه اليساري لكن تلك الأقلية تثبت أنها قادرة فعلاً على شل يد الرئيس وحكومته عن العمل والحكم وحالة مصر شاهدة فهي معطلة والأوضاع تتدهور بالفعل على كافة المستويات، وتثبت تلك الأقلية أيضا أنه لا يكفي أن تكون لديك أكثرية والسلطة في يديك لتفرض ما تشاء وتحكم كما تشاء في بلد لم يستقر سياسياً وديمقراطياً بعد الطرفان -الحكم والمعارضة- لديهما أخطاء، فليس لدينا ملاك ولا شيطان لكن هناك مؤسسة حكم عليها أن تعمل بلا كلل لكسب الشارع إلى جانبها بتحقيق بعض آماله وتطلعاته وتخفيف بعض أزماته لأن عدم إنجاز شيء يجعل هذا الشارع يعود إلى سلبيته مرة أخرى أو تلعب المعارضة على ذلك الوتر وتمارس التهييج دون أن تكون قادرة على الحكم والإدارة هي الأخرى إذا وصلت للسلطة لتظل البلاد تتحرك في دوائر مفرغة. وإذا دفعني التشاؤم -وهذا ما لا أتمناه أبدًا- إلى القول أننا نسير في الانقسام الحاد والخصومة العنيفة إلى حد الكراهية بدون تلاقٍ أو تفاهم بين موالاة ومعارضة وكل فريق لا يثق في الآخر ويعتبره عدواً وبات له مشروعه السياسي الخاص به وتحالفاته الداخلية والخارجية فإن وضعًا مؤلمًا ومزعجًا كهذا يجب تفاديه قبل أن يبدأ أو يستفحل بأي ثمن حتى لا تنضم مصر إلى طابور الدول الفاشلة وحتى لا تتمزق إلى كيانات سياسية وطائفية ويسود حكم العصابات والبلطجيات والفوضى، وإذا لم يكن هناك من حل سياسي عاجل بين الحكم والمعارضة لتفادي كارثة مدمرة فإن الحل هو في انتخابات رئاسية مبكرة بعد انتخابات مجلس النواب ليحسم الشعب خياره بشكل أكثر وضوحًا بعد أن ذهبت السكرة وجاءت الفكرة.