حين تخرج اي معارضة إلى الشارع وتطالب بإسقاط النظام، إنما تضع نفسها بديلاً للنظام، وهذا يعني أنها متسلحة بتصور كامل ودقيق لشكل الدولة المقبلة . وما يحدث في الشارع العربي، أن المعارضة متفقة على تغيير نظام الحكم، لكنها مختلفة بشأن شكل النظام القادم، ولهذا تتخبط بين مرحلة وأخرى، وهنا تكمن خطورة أن تبقى الدولة في حالة هياج ومظاهرات بشكل مستمر، وفي حالة ركود اقتصادي وعلمي واجتماعي وتنموي على مدى سنوات طويلة، ولهذا من الأجدى للمعارضة أي معارضة الحريصة على مقدرات أوطانها، أن تتفق فيما بينها على خطط عمل واضحة، وعلى شكل النظام السياسي والاقتصادي والقضائي القادم، ثم تخرج إلى الشارع بمطالب واضحة، حتى لا يكون الحوار بين قنبلة الغاز المسيل للدموع، وبين العيون، وحتى لا يموت الناس بشكل مجاني، ولا تتعطل المدارس والجامعات، ولا تتراجع الخدمات الصحية، ولا تخسر البورصة يومياً مليارات الدولارات. إن ما يحدث في الشارع ببعض الدول العربية بين الأنظمة وفئات المحتجين، أو بين المعارضة والمعارضة، إنما يعود إلى مسألة واحدة وهي: فقدان الحوار، وهذه مسألة تراكمية تنتشر في البيوت والمدارس والمؤسسات والوزارات والمنظمات، وغياب الحوار من المنظومة التربوية خلق أنظمة لا يمكنها التحاور مع الأطراف الأخرى، وخلق معارضة لا تتحاور مع المعارضة، وغياب الحوار هو الذي يحوّل المسيرات والاحتجاجات السلمية إلى مسيرات دموية، يموت فيها الناس، وتُحرق فيها المؤسسات والمرافق العامة والممتلكات الخاصة، خلاف ما يحدث في العالم المتمدّن المتحضّر، حيث يسير الناس في مظاهرات هادئة، متفقة على شعار معين، وعلى مطالب محددة، دون أن يصاب متظاهر واحد بجروح، باستثناء بعض الاحتجاجات التي اندلعت فيها الحرائق، كما حدث في مدن بريطانية مؤخراً، أو كما حدث في المظاهرات التي انطلقت في بعض المدن الأوروبية احتجاجاً على ترشيد الإنفاق وتقليص الوظائف نتيجة الكساد الاقتصادي، إلا أنه في المجمل، تتم الاحتجاجات بصورة سلمية، فلا تتعطل المؤسسات ولا يُدمّر الاقتصاد. نحن في حاجة ماسة إلى تجذير مبدأ الحوار الشفاف بين فئات الشعب كافة، وبين الآباء والأبناء، وبين المدرسين والتلاميذ، فالصوت الواحد مرفوض منذ بدأت الحضارات وانتشرت الأفكار المنيرة، ولهذا، لا بد من التحاور حتى لو استغرق وقت التغيير وقتاً أطول، حفاظاً على أرواح البشر، وعلى المنجزات، وعلى لحمة الشعب الواحد .