يشهد العراق حراكا غير مسبوق على قاعدة خلافات متنوعة ومتراكمة، واتخذت أشكالا تنذر بصدامات أكثر عنفا يمكن أن تشعل الشارع العراقي بأزمات لا تختلف عن الأزمات المشتعلة في غير بلد عربي. فما هو الواقع العراقي؟ وكيف تستغل أزماته؟ وما هي مؤثرات الخارج فيها؟ وهل سيلتحق العراق بمن سبقه إلى لعبة الدم؟ .ترك العراق لقدره بعد انسحاب القوات الأميركية، فتلقف سياسيوه الانسحاب ليكون منصة لتصفية الحسابات والانطلاق كل بمشروعه على ليلاه. ثمة واقع جديد ترسّخت مرتكزاته إبان السنوات الماضية، قوامه فرز حاد في التركيبة الاجتماعية التي تفرّع عنها مكوِّنات ظاهرها سياسي وباطنها مذهبي – قومي، يصل مداها وتداعياتها إلى العرقي. ومما عزز هذا الفرز مجموعة من العوامل والأسباب الداخلية والخارجية المحيطة بالمجتمع العراقي ومكوناته ومعتقداته، ويأتي في طليعتها عدم قدرة السياسيين الذين حكموا العراق بما يسمى الإدارة بالأزمات القدرة على التحكم بمجمل المشاكل التي واجهتهم إبان الاحتلال ويبدو أنهم مستمرون به حاليا. هذا الواقع الحاد بملامحه الانقسامية، جاء كنتاج لتموضع مذهبي في أطر ائتلافية، جمعت متناقضات في السياسة وتقاطع في المصالح، وصل إلى حد التطابق في استغلال السلطة وتوزيع الغنائم كما الاسترسال في المفاسد. ثمة أزمة ثقة قائمة بين أطراف المكِّون السياسي العراقي، فالكل لا يثق بالكل، والجميع يدير أزمات النظام بافتعال أزمات موازية للمفاوضة والمقايضة، ما يوسّع فجوة الخلاف ويبعد المسافات ويؤجج النزاعات والصراعات، فمنذ العام 2003 حتى وقتنا الراهن، لا يخرج النظام من أزمة حكم إلا ويكون قد تهيأ للدخول في الثانية. نظام برلماني اتحادي فدرالي قائم على مثلث قومي اعتبره البعض حلا على الأقل في مرحلة انتقالية خلال فترة الاحتلال، سرعان ما حولته الكتل نفسها إلى وسيلة إما للقهر والاستئثار، وإما وسيلة للانفصال، فيما عامة المجتمع العراقي من كل الطوائف والمذاهب والقوميات عانت وتعاني من أشكل التهميش الاجتماعي والاقتصادي. لا تقتصر الأزمة الحالية على هذا الجانب، بل يتعداه الأمر إلى أسباب وخلفيات أخرى لا تقل شأنا أو خطرا على مستقبل العراق ومكوناته الاجتماعية والسياسية وما يراكم الخوف والقلق من تلك الأزمات الكيانية، الأبعاد الخارجية للأزمة الحالية، وهي متعددة الأوجه والأبعاد. إنَّ التدقيق في مجمل مواقف وطروح الفئات السياسية العراقية تشير إلى أن العراق مرشح للدخول في أزمة أخرى ظاهرها سياسي وباطنها كياني، الأمر الذي يعني أن مجمل الظروف قد تهيأت لإطلاق الحراك القائم مواليا كان أم معارضا، كما أن التدقيق في السلوك المجتمعي القائم حاليا يشير إلى ارتفع منسوب أسهم الصدام بين مختلف الفئات العراقية الواقفة على مفترق صعب، فهل إن الحراك القائم حاليا سيولد عراكا في عراق لم يشهد الاستقرار منذ عقود خلت؟ يبدو أن العراقيين ماضون إلى لعبة الدم وسط عدم قدرة على الاتعاظ من تجارب من سبقهم، الأقربين منهم كما الأبعدين.