لا شك أن فكرة برنامج تويتر فكرة رائدة لتلاقح الأفكار وتبادل الآراء بين مختلف الفئات العمرية والتعليمية والثقافية أيضاً، حيث أثبت تزايد عدد المغردين أنه الوسيلة الأكثر استخداما في العالم الافتراضي رغم اشتراطه عدم تجاوز التغريدة لمائة وأربعين حرفاً مما أضفى شيئاً من التحدي لدى المغرد لإيصال فكرته بهذا العدد القليل من الأحرف إذ يُصنف الأشخاص الملتزمون بجوهر هذه الفكرة على أنهم ذوو مهارة عالية في التعبير عن أفكارهم لأن التكثيف اللغوي في الجملة يعكس مدى الثراء اللغوي والفكري للمغرد الذي يحاول أن يقول الكثير بعدد قليل من الكلمات. هذا الأسلوب الكتابي الجديد جذب العديد من المشاهير في شتى المجالات لأنه أصبح نافذة يطل منها على الجماهير المحتشدة لا ليبرهن على قدراته الخاصة في التعبير فحسب بل أيضا ليظل قريباً من ذاكرة الجمهور من خلال تغريداته المتواصلة حول الأحداث الساخنة سواءً تلك الأحداث المتعلقة بالشؤون الاجتماعية أو حتى السياسية. إلا أن أكثر ما لفت نظري في العالم التويتري هو تحول الكثير من الدعاة من العمل الدعوي إلى التنظير لخدمة أجندة غير معلنة فأصبحوا لا يتوانون عن الخوض في السياسة كهدف استراتيجي للتأثير على متابعي تغريداتهم، خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان تداعيات الربيع العربي . اليوم وبعد مرور عقد من الزمن تخللته أحداث غيرت من قناعاتنا وأفكارنا السابقة حول الكثير من الأمور أجد أن أغلب مستخدمي الأنترنت تحولوا إلى ضحايا لهذه التقنية . ومن المفارقات التي لفتت نظري بشدة وجعلتني أتعمق في البحث عن الزخم الكبير الذي يحظى به بعض الدعاة المتحولين إلى العمل الحركي هو ذلك الهوس المتزايد بين فئة كبيرة من متابعيهم في إعادة نشر تغريداتهم أو ما يسمى ب"ريتويت" حتى وإن لم تحمل الجملة "المروتتة" أي مضمون جديد يختلف عن تغريداتهم السابقة بل تجاوز الأمر أبعد من ذلك حيث قام عدد من المتابعين بإعادة جملة "صباح الخير" لأحد النشطاء أكثر من ألف وثمانمئة مرة! وتمثل هذه الحالة الأخيرة دليلاً على أن الإعلام الجديد يمثل سلاحاً ذا حدين في مجتمعات العالم الثالث بل يُعد خطراً داهماً على استقرار المجتمعات لأن الغالبية العظمى من المستخدمين ما إن يقرأوا أي خبر أو حتى إشاعة إلا واعتبروها حقيقة محضة بسبب غياب المنهج النقدي في تحليل وتفكيك تشعبات الظواهر الاجتماعية والذي أعزوه برأيي – بالإضافة لما تقدم ذكره – لرداءة التعليم الذي لا يؤمن بأهمية التدريب على مهارات التفكير والنقد والمراجعة وغيرها من الأساليب التي تعزز من ثقة المرء بذاته. وأقولها بكل أسف إن مخرجات تعليمنا الهزيل انعكست بصورة واضحة على الكثير من متابعي بعض المشاهير حيث وجدوا فيهم سهولة الانقياد وسرعة الاستجابة للأسباب التي ذكرتها سابقاً. فمن المؤسف جداً أن نجد الكثير من الشباب يتهافت بهذا الشكل المخيف على كل تغريدة شاردة يرتجلها أحد المشاهير في لحظة ضجر أو جلسة استرخاء تفاعلاً مع ذاك الحدث أو تلك الأزمة ليغذي هذه العقول الغضة ويشكلها بقناعته التي ربما تحمل الكثير من الإقصاء والتجييش ضد مخالفيه. ربما قدرهم أن يخوضوا تجربة التفاعل الإنساني عبر وسائل الإعلام الجديد دون أن يحظوا بالقدر الكافي من المهارات الأساسية في مراحل التعليم المختلفة للتعامل مع الثورة المعلوماتية الهائلة، والمهارات الأساسية التي أرمي إليها في هذا السياق ليست متعلقة باحترافية الاستخدام من الناحية التكنولوجية بل هي ذات صلة مباشرة بالتنوع المعرفي الذي يحفز الذهن على التفكر والتدبر والإبداع لأنه سيشكل القاعدة التي تنطلق منها الاستنتاجات والحجج لإثبات صحة الرأي أو خطإه وهذا للأسف ما تفتقده مناهجنا التعليمية. الآن لا بد أن نعترف أن الظروف الراهنة غير مواتية على الإطلاق للبحث عن حلول قد تستغرق الكثير من الوقت، لذا أجد أنه من الملائم جداً أن يبادر المثقفون الحقيقيون ليتحملوا مسؤولياتهم تجاه مجتمعاتهم ويخوضوا المعترك الإلكتروني ليقارعوا الحجة بالحجة . أتمنى أن يُحكم بعض الشباب المندفعين في هذا العالم الافتراضي عقولهم وأن لا ينجرفوا خلف الأفكار المسمومة.