ثمة مبدأ يقول بأن "الضغط يُوّلِد الانفجار"، وأخر يُعلمنا بأن "الحرارة تنتقل من المناطق الساخنة إلى شقيقاتها الباردة"، وثالث يُنبئنا بأن "الرياح تنتقل من مناطق الضغط العالي إلى ربيباتها المنخفضة". مهلاً ليست هذه حصة فيزياء/جغرافية -لا تقلقوا- بل ببساطة أتساءل، هل تنطبق هذه القوانين على البشر؟ لنر. قلت سابقًا عن كون اكتساب المعرفة مبنيًا للمعلوم، وحيث أن لكل عملة وجهان، فالوجه الثاني هو التفكّر، وهذه الأمور تتعلق أساسا بعمل العقل في تطورشؤون الحياة، ولكن ماذا عن العقلية؟ بعيدا عن تعقيدات التفسيرات العقلية، ببساطة، هي المحصلة التي تعكس المعرفة المُكتَسَبة بعد تحليلها من قبل العقل، لذا تتجسد في ثقافة المرء، أي ما ينتجه من فكر. بإضافة ذلك إلى كل من المشاعر، الأحاسيس، السلوك الذي يعبر عادة عن درجة تحضَره، يصبح لدينا ما يعرف بالشخصية؛ تلك المنظومة المتكاملة التي تحدد كينونتنا.عقلية المرء، ذكرًا كان أو أنثى، تُشَكّل تبعا لما نشأ عليه من تربية، وما أكتسبه من معارف، وما خبره من تعامل، وبعيدا عن تعقيد التنميط، في رأيي، هناك نوعان: - الأولي: المُؤَطّرة؛ وهي التي تقبل الصورة النمطية السلبية. - الثانية: التساؤلية؛ وهي التي لا تقبل الصورة النمطية السلبية. مشكلتنا في عالمنا العربي، أن الأولى هي السائدة لأسباب عدة ليس هذا مجالها، بينما الثانية غائبة نوعا، مع أنه من المفترض أن توجد مادام الأصل هو البناء للمعلوم كما أسلفت سابقا، وعليه نرى كثير من مشاكلنا التي يلوح لي أنه نشأ بيننا وبينها نوع من التطبيع المموج الذي لا يستسيغه عقل. إذا ما الحل؟ المشعل والدور الايجابي وليس لعن الظلام؛ وبكلمة أوضح "التنوير". التنوير ببساطة هي حالة إدراكية يستشف الفرد منها موقعه الإعرابي في هذه الحياة، إما أن تكون عقليته متجمدة وبذا يصبح ممنوعا من الصرف، وإما منصرفة إلى ابتغاء مرضاة الله بأداء الانسان دوره الإستخلافي في الأرض، في إطار التنوع والتمايز بين البشر الذي ينمى العمران ويتفهم الاختلافات. هذا على مستوى الفرد، أما على مستوى الأمة، فالأمر متماثل والأمثلة دائما تُسّهِل الأمور، لذا أسوق إليكم اثنان: - الأول: أجدادنا في فهمهم لدورهم الإستخلافي قاموا بنقل وتنقيح أسلافهم، لا بعقلية الناسخ بل بعقلية المتسائل النهم للمعرفة، وبذا لم يكتفوا بالنقل والتنقيح بل تطور الأمر إلى الإضافة وبذا امتلكوا الأدوات التي تكاملت مع الثقافة وأنتجت الحضارة الرائدة التي سادت وأنارت. - الثاني: عصر النهضة الأوروبي؛ مع كونى على بينة بالاختلافات والمسببات التي انطلقوا منها، إلا أنهم قاموا بمثل ما قام به أجدادنا مع أسلافهم، فامتلكوا الأدوات التي مكنتهم من إنتاج حضارتهم التي نحيا في ظلالها اليوم. حسن.. ماذا إذًا عن الأسئلة التي طرحتها في البداية؟ هاكم وجهة نظري: 1) ضيق الأفق يولد انفجارًا في مشاعر التعصب الأعمى. 2) "الحرارة تنتقل من المناطق الساخنة إلى شقيقاتها الباردة" " أتساءل إن كان هذا ممكنا في التنوير على مستوى الأفراد من خلال مثقفيها؟ 3) "الرياح تنتقل من مناطق الضغط العالي إلى ربيباتها المنخفضة"؛ أتساءل إن كان هذا ممكنا في التنوير على مستوى الأمة من خلال مثقفيها؟ أختتم بآيات ربي في محكم التنزيل:"أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)" - سورة المؤمنون.."قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُواْ الْأَلْبَابِ (9)" - سورة الزمر.