تمرّ علينا ذكرى وعد بلفور وسط عاصفة محلّيّة وإقليميّة وأخرى دوليّة، عواصف طبيعيّة وثوريّة وأخرى فكريّة وغيرها شعبية سلمية أو عنفيّة، إنسداد سياسي عام في الأفق السياسي الفلسطيني، واحتقان إقليمي، وإن سألنا الكثير من المحللين عن توقّعاتهم لما يمكن أن يحدث غداً فلن يجيبنا أحدٌ بجزم ِ حول المستقبل، إلا تخمينات وتوقّعات. منح بلفور وعده للصّهاينة من اليهود بأن يمنحهم أرض فلسطين وهو لا يملكها لمن لا يستحقّها، وكانت أكبر عمليّة تزوير تاريخيّة لبيع أرض شعب لشعب آخر مجّاناً، لم يكن بلفور الأول ولم يكن الأخير ممّن ساهموا في تسهيل التّزوير والسّطو المسلّح على أرض فلسطين. وعادت للواجهة من جديد حقائق الصراع بين الشّعب الفلسطيني ومن يغتصبون أرضه وهذه الحقائق تتجسّد فيما يلي:- * أرض فلسطين لكل الفلسطينيين، ولن تكون لسواهم أبداً، ومن يعتقد أنّ وعد بلفور أو وعود غيره للمغتصبين لفلسطين ستمنحهم شرعية هذا السّطو المسلح فهو واهم، وتزوير الواقع والسّلب المسلح لن يجعل هذه الجريمة شرعيّة أبداً. * لا يملك أي شخص أو دولة أو مجموعة أو منظّمة أو حركة في العالم أن تمنح الاحتلال شرعية اغتصابه لفلسطين حتى لو كان هؤلاء من صُلب فلسطين، وحتى لو كان هؤلاء فعلوا الكثير من أجل فلسطين، فكل التنظيمات الفلسطينية لا تملك التّنازل عن ذرة من أرض فلسطين، حتّى لو أجمعت على ذلك، فكل فلسطيني يمتلك كل فلسطين، وكل عربي يمتلك كل فلسطين، وكل مسلم ومسيحي عربي يمتلك فلسطين. * لم يخوّل أي فلسطيني أي شخص أو مؤسسة أو منظّمّة أن تتنازل عن بيته وأرضه وبلدته التي اغتصبتها العصابات الصّهيونيّة، وبالتالي لا يملك أحد هذا الحق، وهو - أو هم- لا يملكون هذا الحق ولا هذا التّمثيل. * نحن كفلسطينيين ننظر للصّراع من بابه البسيط، كل من يقرّبنا من العودة لأرضنا السّليبة، ولا يتنازل عن حقوقنا الثّابتة، فهو فوق رؤوسنا وأعناقنا، ومن يتنازل عن حقوقنا فهو يصبح أكثر بعداً عن تمثيلنا كلّما أوغل في التّنازل عن هذه الحقوق، فهو يتنازل عن ما لا يملكه، وبالتالي فهو لا يمثّل من يعتقد أنّه يفرّط في حقوقهم. * لم يفق البعض من وهم أنّهم كلّما تنازلوا عن حقوقهم كلّما زادت شهيّة عدوّهم لتنازلات أخرى، وبالتالي فسياسة التّنازل عن بعض الحقوق يمكن أن تؤدّي للتنازل عن كل الحقوق، حسب الفهم الصّهيوني.