لو أنك تحمل هويتين رسميتين : أحدهما تفيد أنك معلم و الأخرى تفيد أنك صحفي ، وطُلب منك إبراز هويتك أيهما ستبرز؟ دون تفكير ، أعلم أن إجابة الكثيرين ، و أنا منهم ، ستكون الهوية الصحفية ، و أنّ قلة ربما تختار الإجابة الأخرى ... عن مكابرة وليس عن قناعة. إن اختيار الهوية هنا انعكاس لاختيار القيمة و التقدير الذي تلاقيه مهنة و تفتقده مهنة أخرى. فإن أردت أن تعرف قيمة مهنتك فابحث عنها في قائمة الوظائف المرموقة و انظر هل تشملها أم أنها غير موجودة من أصله !! هذا الوضع المؤسف لقيمة و مكانة المعلم لن تجده سوى في عالمنا العربي ، فلا راتب يشفع و لا وضع اجتماعي ينفع أو حتى يعطي سند أو وجاهة لصاحبه. إن حضارات الأمم و نهضاتها لا تنبني إلا على العلم ، و لن يكون هناك علماً إلا إذا قام على أكتاف معلمين مخلصين و متعلمين نجباء. معادلة بسيطة أدركتها حكومات الدول المتقدمة و جعلتها حجر الزاوية في منظومة نهضتها ، فقطفت ثمارها. سُئل امبراطور اليابان عن أهم أسباب تقدم بلاده فأجاب:" بدأنا بكل ما انتهى به الآخرون وتعلمنا من أخطائهم وأعطينا المعلم حصانة الدوبلوماسي وراتب وزير". فالمعلم الياباني يحظى بتقدير و احترام و مكانة اجتماعية عالية و مرموقة ، و رواتب محترمة و مغرية توفر لهم حياة كريمة مما أدى إلى تهافت الشباب الياباني على امتهان التدريس و ليس الهروب منه كما في عالمنا العربي. المعلم هناك أخذ حصانة الدبلوماسي فلم يتطاول عليه سفيه و لم يتعد عليه أحمق أو يهدده صاحب سلطة أو نفوذ. المعلم هناك أخذ راتب سفير فلم تضطره الحاجة للوقوف على أبواب طلابه ليعطي درساً خصوصياً هنا أو هناك ليستكمل ما عجز راتبه عن الوفاء به. المعلم هناك صاحب وظيفة مرموقة ، أما عندنا فقد تاهت وظيفته في ظل عبارة : التدريس و أعمال أخرى. أتمنى أن يأتي يوم أبرز فيه هويتي التربوية و أقدمها على هويتي الصحفية .... يوم أشعر فيه أن للمعلم كل القيمة و التقدير و أن وظيفته أصبحت من الوظائف المرموقة ، فهل يأتي هذا اليوم ؟!!!