لم تتوانَ الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة عن ممارسة التحايل على المجتمع الدولي والعالم، للتملّص من مسؤولياتها واستحقاقاتها القانونية والسياسية والأخلاقية المترتبة عليها تجاه شعب شردته قبل أربع وستين عاماً، ومارست بحقه أبشع أنواع التطهير العرقي، والتهجير، من أجل إحلال شعب آخر محله قسرياً، والاستيلاء على أرضه بالقوة. وتسعى اليوم حكومة الاحتلال إلى استصدار قرار أممي يقضي بتعويض يهود الدول العربية، وذلك في 21 أيلول بمقر الأممالمتحدة في نيويورك، بالتزامن مع انعقاد الجمعية العامة. حيث تعمل الحكومة على إعداد حملة دولية واسعة، بقيادة نائب وزير خارجية الاحتلال داني ايالون، للاعتراف بحقوق اليهود الذين هاجروا من الدول العربية بعد نكبة 1948، وتعريفهم باعتبارهم "لاجئين"، والشروع في مرحلة لاحقة للتفاوض مع بعض الدول العربية للحصول على تعويضات على الأملاك التي تركها اليهود في البلاد العربية. وفي ذات الوقت، فقد اجتهدت منذ سنوات طويلة في تفريغ القرار الأممي 194، أو استبداله بقرار أممي آخر، واستهدفت بالتعاون مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ممثلة بالكونغرس الأمريكي (وكالة الغوث الدولية الأنروا) التي تجسّد الدليل القانوني والمادي لقضية اللاجئين الفلسطينيين. كما حاول الكونغرس في تجاوز صارخ للقانون الدولي تشريع مقترح، قدّمه السناتور الجمهوري مارك كيرك، تخفيض عدد اللاجئين الفلسطينيين، وتغيير حالة ملايين الفلسطينيين اللاجئين ، ونزع صفة (اللاجئ) عن أبنائهم وأحفادهم. إلا أن محاولة اسرائيل استصدار قرار أممي بهذا الخصوص فهي الأولى من نوعها على المستوى الدولي لمواجهة حق اللاجئين الفلسطينيين وتصفية قضيتهم وحقهم في العودة أو التعويض الذي أقره المجتمع الدولي قبل ستين عاماً. ودعماً لهذه الحملة السياسية الدولية، أقر الكنيست الاسرائيلي، بموافقة الحكومة، قانوناً يُلزم أي حكومة اسرائيلية بضرورة استنفاذ موضوع "حقوق اللاجئين اليهود في البلدان العربية" قبل التوقيع على أي اتفاقية سلام. المثير للاهتمام أن هذا التشريع العنصري، ومصطلح "اللاجئ اليهودي" الذي تعمل إسرائيل على زجّه وتكريسه في الخطاب السياسي والدولي، هو استكمال آخر لجهود مجلس النواب الأمريكي الذي عمل قبل سنوات على فرض ما يسمى ب "قضية اللاجئين اليهود" على أجندة الحل السياسي للقضية الفلسطينية، حيث بادر الى اختلاق هذا القانون أعضاء الكونغرس الأمريكي "هاورد بيرمان، وايليانا روس لتيان، وجيري ندلر". كما ويشارك في الحملة الدولية المؤازرة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون وشخصيات عالمية أخرى. إن هذا القانون يفتقد في مضمونه الى الأساس القانوني والأخلاقي، ويأتي في اطار سياسي محض لتكريس يهودية الدولة التي طالبت حكومة نتنياهو الاعتراف به باعتباره شرط رئيسي للدخول في أي مفاوضات أوتسوية لإنهاء الصراع، وكذلك لفرض حل سياسي لا يتضمن قضية اللاجئين. وبالعودة الى الحقائق الموضوعية والتاريخية لهجرة اليهود من الدول العربية، فإن اليهود العرب كانوا جزءاً من المنطقة العربية في اطار دولهم، لكنهم بدأوا بالهجرة الى إسرائيل بعد قيامها، وذلك وفق مخطط مدروس من الوكالة اليهودية يقضي بجلب اليهود من جميع أنحاء العالم لبناء "دولة اسرائيل". ومع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض الدول العربية في ذاك الوقت كان يسودها أنظمة استبدادية، فالمعاناة كانت واقعة على جميع المواطنين بغض النظر عن دياناتهم واختلافهم، ولم يتم استهداف اليهود بحد ذاتهم. وعلى الرغم من أنه جرى حوادث اضطهاد أو عنف فردية، وهي مشبوهة لدفعهم وتشجيعهم على الهجرة، إلاّ أن هجرة اليهود كانت طواعية ومتأثرة بعوامل الضغط والاغراء، وبدعوات الحركة الصهيونية المتكررة مع الوكالة اليهودية لليهود بالقدوم الى اسرائيل. وقد مارست اسرائيل، "الدولة التي تدّعي الديمقراطية"، على اليهود العرب والشرقيين التمييز العنصري لدى قدومهم، ووضعتهم في أماكن منعزلة، وحرمتهم من الاختلاط مع الرعايا الاسرائيليين، وعاملتهم بدونية واحتقار على الصعيد الثقافي والاجتماعي بالمقارنة مع اليهود الغربيين.