لازلت أصارع نفسي كي أستطيع نسيان ذلك الموقف الأليم الذي صادفته في مطار الرياض بعد أن تجرد أب من كامل إنسانيته وانتزعت الرحمة من قلبه فظل يعنف طفلتيه الصغيرتين ذوات الثلاث والأربع سنوات على مرأى ومسمع من الجميع الذين لم يحرك بهم هذا الموقف ساكناً وكأن شيئاً لم يكن . غير أن قلبي ظل يعتصر ألماً وحزناً على تلك الزهرتين وأمهما المسكينة اللتين ظلتا تذرفان دموعاً كالؤلؤ بعد أن أمر زوجته بحشر الطفلتين في عربتهما الصغيرة التي لا تتسع لهما جميعاً وقام بربطهما كالحيوانات وهما تبكيان خوفاً من بطش والدهما الذي ظل يتوعدهما مستخدماً عبارات القتل والتعذيب والضرب.والأنكى من ذلك عيناه الوحشيتان اللتان استخدمهما بفن لإدارة أسلوبه البربري أمام تلك العصفورتين اللتين ظلتا تتوسلان به أن يخرجهما كي ترتعا وتلعبا كبقية الصغار . شعرت وقتها بحرب طاحنة تشتعل داخلي، فتارة فكرت أن اختلي بالزوجه وأعطيها رقمي لإفهامها بحقوقها وحقوق صغارها وتارة تحدثني نفسي أن انصح الزوج وأذكره بالله عز وجل ... غير أن فوبيا ردود الأفعال السيئة أوقفتني عن كل ذلك واكتفيت بشراء لوح شوكولا وقدمته للصغيرتين اللتين ظلتا تنظران إلي بعينين تستنجدان لا أستطيع نسيانهما حتى غادرت الى بوابة صعود الطائرة التي أقلتني الى جدة مثقلة بحزن عميق على هاتين الوردتين وأنا أجلد سلبيتي وضعفي وأجلد حقوق صغارنا الضائعة التي لم تجد وقفة حازمة تجرم كل من يسيء إليهم وإلى طفولتهم فهم الأولى بكل المبادرات. ففي ألمانيا رأيت صغار إحدى الروضات ينظمون مظاهرة سلمية احتجاجاً على إقفال روضتهم لمدة أسبوع لترميم الشارع المجاور لها . كانت تلك المظاهرة السلمية بمساعدة من مدرسيهم ومدرساتهم الذين مشوا معهم في طابور منظم يجوبون به الشوارع القريبة من روضتهم بشكل يبعث البهجة والتفاؤل بمستقبل جميل لهؤلاء الأطفال والمفاجأة الكبرى كانت استقبال عمدة فرانكفورت لهم الذي ظل مكتبه مفتوحاً لهم لاستقبال شكاواهم مع الوعد بفتح روضتهم على وجه السرعه . وشتان مابين جيلٍ تربى على القسوة والوحشية وجيل تربى على أن يقول كلمته فتسمع وتؤثر في ثقافة المجتمع.