في رمضان فرصة لصلاح النفس أكثر من غيره، فأنت فيه تكون حالتك اليوم هي مختلفة عن الأمس، فتغيُّرك فيه وتقبلك للوضع الجديد والتكيف عليه، هو دليل على قدرة الشخص على التغيير، فلماذا يشتكي البعض منا بأنهم لا يستطيعون التغيير إذن، في حين نجدهم في رمضان يتقبلونه بصدرٍ رحب؟! إذن فنحن نمتلك القدرة على تغيير أنفسنا، والتكيف على الأوضاع الجديدة الجيدة. ويبقى السؤال الأهم: لماذا لا نسارع بفعل ذلك التغيير؟ ونستعد له بدءًا من رمضان؛ ليكون لنا فيه انطلاقة قوية، وتغيير نحو الأفضل، وإيجابية أمثل. إن هناك فئة من الناس لا يريدون التغيير، فهذا لا اختلاف عليهم فقد حدَّدوا ما يريدون من البداية، والجدال معهم هو مضيعة للوقت على حد زعمهم! وكأني بلسان حالهم يقول: لأنني وُلدتُ في الماء لا تخلف أقدامي آثارًا في الوحل! وأشدهم تشاؤمًا من يقول: بأن الزمن يتقدم والمشكلة تتأزم! فهؤلاء قد خفي عليهم بأن من ليس لديهم أهداف, هو محكوم عليهم للأبد أن يعملوا لمن لديهم أهداف! أما حقيقة ما يحيِّرنا هم من يريدون أن يتغيروا عاجلاً غير آجل، ولم يبذلوا له أي أسباب تعينهم على ما أرادوه، أو أنهم يريدون أن يصبحوا أو يمسوا وقد تغيروا فجأةً. وهذا بالطبع لا يمكن أن يكون؛ لأنهم نسوا أو تناسوا أنهم عاشوا سنواتٍ طويلة يصادمون بأنفسهم كل تغييرٍ ممكن لديهم! وفي كلتا الحالتين لا بد لهم أن يعلموا أن التغيير واقع لا محالة، إما للأفضل كما نريده ونتمناه، وإما للأسوأ وهو ما نرفضه ونحاربه؛ فالتغيير يحدث فينا ومن حولنا شئنا أم أبينا، فلو لاحظنا الزمان مثلاً وما فيه من أيام، فهو يتغير ما بين فجرٍ وظهر وعصر ومغرب وعشاء، وما بين نهار وليل، حتى الشهر يتغير فيه القمر من أوَّله عن وسطه وآخره، والسنة تتغير فيها الفصول ما بين صيفٍ وشتاء، وخريفٍ وربيع، وحتى أشكالنا هي أيضًا تتغير مع مرور الزمن، كذلك العمل، الأهل، الأصدقاء صفاتهم طباعهم نوعياتهم، فكل ما حولنا يتغير تدريجيًّا، حتى العمر الذي هو حياة الإنسان نفسه يتغير. إذن التغيير هو موجود في الكون منذ بدء الخليقة وحتى اليوم وسيستمر، ويبقى علينا أن نفهم أنه يأتي بشكل ٍ بطيءٍ وتدريجي. فقبل أن تبدأ بما عزمت عليه لا بد لك أن تتفهم معنى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]. فالتغيير أولاً يبدأ من الداخل بالأقوال، ومنها ينطلق كقاعدةٍ أساسيةٍ له، ومن ثَمَّ ينعكس على الخارج فتدعمها الأفعال، فالنظرة الداخلية التشاؤمية للحياة والإحباطات تتسرب من الداخل إلى الخارج فتظهر على جميع تعاملاته من خلال العمل، وعلاقات الشخص بالآخرين، ومواقفه الحياتية اليومية؛ فتجد الواحد منهم -وهو مثال بسيط يتكرر علينا شبه يومي- عندما تسلم عليه قد لا يرد السلام، أو قد يرد وهو غير مبتسم، أو أنه قد يسبِّب لك مشكلة بسبب أنك ألقيت السلام عليه! فهذا وأمثاله ممن يعكسون لنا ما بدواخلهم من تراكمات محبطة ومشبعة بالتشاؤم تجاه الآخرين بشكلٍ خاص، وللحياة بشكل عام! فقدرتك على الرد بأسلوب إيجابيّ يساعدك على كسب إيجابيات كثيرة، ويمنحك الفرصة للدخول لعالم الإيجابية والتفاؤل، والله قد دعانا للتفاؤل والايجابية بقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186]. وأيضًا مما يدفعك للأمام وطلبك للتغيير هو أنه ليس لديك إلا حياة واحدة فقط، غير قابلة للتعويض، ولا تحتمل التأجيل ولا التردد، أو حتى تضييع الأوقات؛ فالعمر والزمن يتسابقان فينا، وكأنهما يريدان أن يتخلصا منا وبأسرع وقتٍ ممكن! قد يقول لي قائل: كيف تقول: إن التغيير يبدأ من الداخل؟ ما الطريقة وكيف؟ فأقول: إن التغيير يكون بأحد أمرين: إمّا أن يكون للأفضل ومن ثَم يغيِّر الله ما حولنا للأفضل، وإمّا أن يكون للأسوأ فيتحول ما حولنا ويكون كحالنا، وكأنه يبادلنا نفس الشعور! إن ممارستك لتحطيمك ذاتك الداخلية وكثرة التفكير السلبي وملء العقل بالأفكار السوداء غير المحببة، ورسم أشياء توهميَّة خيالية لا أساس لها من الصحة، هي -في الحقيقة- من يمنع تقدمك ولو بخطواتٍ بسيطةٍ نحو الأمام، قال تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]. أما لو تغير هذا التفكير لديك وأصبح إيجابيًّا بمعنى أن تتحدث مع نفسك بالكلمات الراقية القوية الإيجابية الفعالة، كما في قوله تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} [الحج: 24]. فهي تعتبر بمنزلة الوقود الداخلي الذي يشعل فيك الحماس والدافعية نحو تحقيق الذات والنجاحات. وبعد هذا كله أعتبرك قد خطوت خطوةً ليست بالهينة نحو الأمام، وهذه الخطوة سيتبعها العديد من الخطوات في قادم الأيام، قد تكون ثقيلة في بداية الأمر، إلا أنها سرعان ما تتسابق الخُطَا، وتتسع الدائرة لدينا تجاه الأفضل، يقول علي بن أبي طالب : "لو تعلقت همة أحدكم بالثُّريا لنالها".