لا يمكنك أن تغفل عن إدراك الأثر العميق للعادات والتقاليد المتوارثة عند كل متكلم، الممتزجة بتأثيرات البيئة صحراوية كانت أو جبلية أو بحرية. في كل حوار وجدنا رأيين مختلفين، و في الفريقين وجدنا أهل إنصاف وسماحة، و لم نعدم أهل الذم والتبديع والتفسيق. ولما كانت هذه المواضيع أمثلة لما تموج به ساحاتنا الثقافية؛ كانت هذه الملحوظات: 1- لنتفق على الأصول أولاً، على مشروعية الخلاف، بل على وجوده أصلاً، ثم و لنفرق بين ما يفرق و ما لا أهمية له. 2- يقول المثل الصيني: (العقول الصغيرة تناقش الأشخاص، و العقول المتوسطة تناقش الأشياء، و العقول الكبيرة تناقش الأفكار). أقول: إن الضعيف علمياً و فكرياً يرفع دائماً شعار: اغلبوهم بالصوت. 3- المحاور الراشد يجمع الكلمة فيقول (نحن)، و المحاور المراهق يعتد برأيه إلى درجة الاستبداد فلا يعرف غير (أنا)، أما الذين لم يتعدوا مرحلة الطفولة بعد فلا تسمع منهم إلا (أنت). 4- لننفتح أكثر على الآخرين، و لنتقبل أفضل ما لديهم، و لا يمنعنا اعتزازنا بتراثنا و تقاليدنا عن الانفتاح على الآخرين، و اقتباس محاسنهم. 5- فوجئت كثيراً بمن يرفض الاحتجاج بأقوال علماء البلاد الأخرى، بل يسرف في التعميم فيجعل علماء الهند مثلاً كلهم قبوريين، و علماء الأزهر مثلاً كلهم متميعين متساهلين. 6- لم نعتد على التربية بالحوار، بل جعلنا من أنفسنا أوصياء على عقول الآخرين، لذلك وجدنا من ينكر وجود رأي آخر أمامه، و يصفه بأشنع الأوصاف، و كأنما أتى من كوكب آخر. هذا لأنه لم يعتد على الحوار و النقاش منذ صغره. 7- (دعوها فإنها منتنة)، و مع ذلك لم يدعها البعض، لأنك عندما تكتب باسم مستعار فلا رادع لك، اكتب و هاجم من شئت و لن يحاسبك أحد.!! 8- عندما تغلق العقول و تكون خارج الخدمة مؤقتاً، فلا أجدى من استخدام ثقافة النسخ و اللصق، مع ما تتطلبه من تقديس لأقوال بعض الأشخاص و رفعها إلى مرتبة الدليل. 9- نختلف دوماً في فهمنا للدليل، و ما أتت مشروعية هذا الخلاف إلا من سيرة المصطفى عليه الصلاة و السلام، و من يجهل ((لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة)) ؟ فلنعلم أن النص صاحب الدلالة الظنية قد يختلف في فهمه أهل العلم، لذلك تنشأ المسائل الخلافية. 10- لما كثُر علم علمائنا قل إنكارهم، أما نحن فلما قل علمنا ضاقت صدورنا بالخلاف فأصبحنا لا نتورع عن كيل ألفاظ التبديع و التفسيق لمن خالفنا. 12- يقول د. عبد الكريم بكار: لدينا مشكلات كثيرة عالقة لا تحل إلا عن طريق الإعذار و الاحترام المتبادل. و إن من طبيعة الأشخاص المحترمين جداً أنهم يمنحون الاحترام لمن يستحقه و لمن لا يستحقه.