لا تخلو حياة كل منا من العيش فيها لفترة في كل مرحلة من مراحل حياته، وهي أيضاً لا تميز بين فئة وأخرى أو مستوى وأخر، من حيث الاستسلام لها لبعض الوقت بالرغم من إختلافنا في مضمومنها وقدر الاستغراق فيها. إنها أحلام اليقظة التي ندخل عالمها المُبهج لنتحول فيه من العجز للقدرة ومن الصغر للكبر والعكس ، ومن الألم لكل السعادة ومن العوز لقضاء الحاجة ومن الظلم للسيادة، حالة يصفها العلم بأنها عالم من صناعة الشخص يقوم فيه بما لا يستطيع أن يقوم به على أرض الواقع الأن ليقضي قدر من حاجته، أو يرى نفسه فيما يتمنى ويسعى له. بل أن بعض العلماء يعزون لها حماية الفرد من الإكتئاب ومشاعر العجز ويعتبرون غيبها التام عن حياة الشخص دليل على فقده للأمل واستسلامه للواقع المُحبط وعدم مرونته في طلب الإشباع الحقيقي. وبالتالي فهي عملية تنفيس عن إحباط قد يصيب الشخص أو مجال يرى فيه الفرد نفسه حينما يحقق ما يجتهد لأجله، ولذلك تزداد في مراحل الإحباط أو التعسر التي يمر بها الفرد بإعتبارها إشباع بديل . وعلى الرغم من الميزات الكثيرة لأحلام اليقظة من هذه الزاوية – أنها مجال تنفيسي يعبر فيه الشخص عما يتمناه ولا يستطيع تحقيقه في عالم الواقع - إلا أن زيادة الاستغراق فيها مثلها مثل كل الأمور التي تؤدي الزيادة المبالغة فيها إلى عدد من المشكلات النفسية والاجتماعية للفرد . فالإكثار من أحلام اليقظة والاستغراق فيها يؤدي إلى تراجع قدرة الفرد على التواصل مع المجتمع حيث لا يعد في حاجة للاجتهاد في العلاقات الخارجية الحقيقية مادام يستطيع أن يحركها ويصنعها على الطريقة التي يحبها في أحلام اليقظة ،وميل الفرد للإنعزالية والإنطواء حتى يظل لفترة يعيش مع ذاته ومن ثمة يتمكن من الإستغراق في أحلام اليقظة. والنقطة الأهم والأخطر في سلسلة سلبيات الإسراف في الاستغراق في أحلام اليقظة والتي تتمثل في حالة الإكتفاء بالفعل المُتخيل على حساب الفعل الحقيقي والاستمرار في الحياة الواقعية دون سعي لتغييرها ، ونظراً لأهمية هذه النقطة نستطرد في تناولها بعض الشئ حيث أن الكثير من الشباب حولنا يقعون فيها دون أن يدروا، فتتحول أحلام اليقظة من وقت بسيط نخفف فيه وطأة الحياة حينما يكون الواقع محبط إلى نوع من المخدرات التي يعمد إليها الفرد لتغيبه عن هذا الواقع لفترة قد لا يستطيع أن يحدد مدتها، وبالتالي يتأخر عن الفعل. ولذلك وجب التنويه إلى خطورة الاستغراق أو الإسراف في أحلام اليقظة التي تفصل الشخص عن عالمه الحقيقي والأخطر أنها توقف العمل والتغيير الحقيقي أيضاً لصالح العمل والتغيير المُتخيل مما يؤدي لضياع العمر وتأخر الأمم التي يزداد فيها عدد هؤلاء الأشخاص.