من الأخطاء الدارجة لدى التربويين تركيزهم على آليات الثواب والعقاب وموازناته دون التحقيق على أهدافه وبدائله، ولهذا ظلت العملية للأبناء والطلاب تراوح بينهما الثواب والعقاب دون أن تنتقل إلى ما هو أبعد، لا مجال للمقارنة بين التربية التي تربينا عليها وبين تربية الجيل الراهن، فقد أصبح الطالب أكثر ثقافة وأقوى شخصية وأكثر وعياً وجرأة في المطالبة بحقوقه، والمعلم أكثر حذراً في التعامل مع الطالب وأشد قلقاً في متابعة متغيرات العصر.. وولي الأمر مشغول بالعمل ولقمة العيش تاركاً الجزء الأكبر من مهام التربية على المدرسة ومع ذلك فإنه يطمع لأن يكون ابنه طالباً مثالياً. ونظرة إلى مجريات الحياة في عصرنا من المتغيرات الجارية تفرض على المعلم مواكبة الحالة النفسية والفكرية لطلابه، ولا داعي للتحسس الزائد تجاه أية حركة تصدر من هذا الطالب أو ذاك، فلربما كان المعلم ذاته خلال دراسته يمارس حركات مشابهة أو أكثر جرأة منها. يا ترى هل فشلت المدرسة في معالجة المشكلات النفسية والتربوية لدى بعض الطلبة لتلقي باللائمة على الأسرة؟ وكيف السبيل إلى تربية سوية تجعل من أبنائنا ذوي شخصيات واعية مسؤولة لا متمردة ولا مقهورة؟ في الحقيقة إن أساليب التدخل التربوي والسر في عدم نجاحها في مدارسنا بالقدر الكافي بما نلاحظه من دلائل عدم الإلمام بالأساليب الصحيحة للتدخل التربوي يرجع إلى: - استخدام أسلوب التناقض وعدم الاتساق. - تغليب العقاب على الثواب. - فرض الجدية دون الترويح. -النظر إلى عملية الانضباط السلوكي من زاوية الموظف الإداري والقاضي المحاسب وليس المربي المعين. -خلط الأدوار. أما لماذا يلجأ بعض الطلبة للمشاغبة ومخالفة الأنظمة واللوائح المدرسية؟ هنا لا يمكننا حصر الأسباب، بل هي تختلف من طالب لآخر، فقد يكون السبب في حالة ما ضغط المناهج، وربما كان أسلوب المدرس وضعف مستواه في تقديم المادة العلمية بصورة مشوقة محببة، أو لشعور الطالب بالملل من الدراسة بصفة عامة، أو عندما يشعر بالحرمان البيولوجي، أو يحصل تداخل في إرضاء حاجة جسمية، أو عندما يقلل إنسان من شأنه، ويشعر بتهديد احترام الذات، أو عندما تزيد مطالب المحيط عن الحد دون الاقتناع من وجهة نظره، أو عندما تؤثر عليه مطالب التغيرات المصاحبة لنموه الاجتماعي والشخصي، ويكون رد الفعل على كل الحالات السابقة مشاغبة وعنفا، ربما يكون موجهاً ضد المعلم ذاته أو ضد زملائه أو ضد المدرسة في صورة تخريب أثاث وممتلكات. لا يمكننا حصر المسؤولية عن مخالفات الأولاد في البيت أو المدرسة، لكنها مرتبطة بالتفاعل بين التربية الأسرية والمدرسة والإعلام والمجتمع بصفة عامة، ولربما كان العنف المدرسي هو أحد ثمار شيوع العنف كسمة مميزة للعصر الذي نعيش فيه. للأسف معظم الإدارات المدرسية لا تحل مشكلات الطلاب المشاغبين، والحل الأسهل والأكثر شيوعاً هو استدعاء ولي أمر الطالب، أو أخذ تعهد عليه بحيث لا يكرر الولد مشاغباته، وكأن المدرسة تحولت إلى مخفر شرطة، وربما يكون السبب في كل ذلك هو العجز الكبير في الرعاية النفسية والاجتماعية.