الربيع العربي لم يحصد ثورات مطالب أو حتى إعادة تشكيل سياسي فحسب، ولكن يبدو أنه أعاد تشكيل المعاجم والثقافة اللغوية التي طويت صفحاتها من أيام ابن منظور، والزبيدي، والفيروزآبادي والجوهري، خصوصاً في ظل قاموس سياسي جديد اخترق قواعد اللغة العربية في اللفظ وصيغة الجمع أو منتهى الجموع او حتى طريقة الكشف في المعاجم التي أشبعناها دراسة في آداب اللغة العربية، وعلمونا مبادئها في مدارس الحكومة يوم ان كانت اللغة العربية ضالعة بيننا وكانت لذة الكشف عن أصعب معانيها لا تعادلها لذة على أبسط طريقة وتقديرعلى وزن " ف َ ع َ ل َ " وقاعدة المجرد من المَزِيد. لن نتحدث عن قاموس الشتائم التي لا بد ان تتورع المعاجم عنها بل المصطلحات السياسية الجديدة التي فرضت نفسها حتى على "المعجم الوسيط" وهو من إصدار مجمع اللغة العربية بالقاهرة التي هي أرض ثورة عربية ضالعة في تأسيس قاعدة استخدام لغوي سياسي جديد "البلطجية"، خصوصا أن المجمع أخذ على عاتقه مهمة إدخال الألفاظ الحضارية المستحدثة، أو المصطلحات الجديدة الموضوعة أو المنقولة، في مختلف العلوم والفنون، أو التعريفات العلمية الدقيقة والواضحة للأشياء، وإهمال الكثير من الألفاظ الوحشية، الجافية، فسمي معجمه معجم التجديد. معجم الشتائم او القذف السياسي ليس مقبولاً لدى أعراف اللغة لانه ليس بمعجم حضاري اذ يتورع حاكم باسل محترم أن يسمي شعبه "جرذانا" وهو لفظ موجود منذ زمن غابر ولكنه ناب.. ولكن المجامع اللغوية اليوم أمام تحدٍ اكبر، إذ أدخلت مادتي الضرورة من الألفاظ المولدة أو المحدثة، أو المعرّبة أو الدخيلة، التي يقرها، أو يرتضيها الأدباء، فتحركت بها ألسنتهم، وجرت بها أقلامهم. وما يجري على الألسنة أو الأقلام في زمن ماضٍ هو ما يجري اليوم على لسان وسائل الإعلام له فهي الناطق الرسمي إما بصوت الشعوب أو بالسياسات كأبواق للحكومات والأنظمة. وهذا هو التحدي فكلمات مثل "بلطجية، بلاطجة، شبّيحة" حتما هي فتوّة الأنظمة وأدواتها.. عصابات منظمة وموجهة لقمع ثورات وتدعي أنها تواجه الحكومات أو الأنظمة رغم انها سلاحها في موسوعة القمع السياسي حتى في اسمها، وهي في الوقت ذاته تمثل تحدياً أيضا لأروقة المجامع اللغوية في معضلة لغوية لا تقل فوضاوية عن غوغائية استخدام البلطجية أو البلاطجة أو الشبيحة أو المرتزقة في ترسانة القمع. فأصبحت اللغة اليوم وليس الإعلام فحسب احد أهم أدوات النظم في قمع الشعوب، فمن أين جيء بها؟ البعض قال إن "البلطجة" مشكلة عربية أصلها تركي، لأن "البلطجة "اسم تركي جامع شامل لأفعال التعدي على الآخرين بشتى أنواعه وجمعها البلطجيّة"، و "البلطة" هي الفأس، وحرفا "ج ي" ملحق يعطي مدلول اسم الفاعل في العربية.ثورة اليمن...عربت الكلمة ليس فقط في اللفظ بل في سياق الجمع او صيغة منتهى الجموع فجمعت جمع تكسير على "بلاطجة" لذلك كان حرياً بالجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام عند نقل هذه الكلمات ان تذكر قبل نسبة اسم الفاعل او الجمع في متن الخبر أن تصدره بمقولة "كما يسمون ببلاطجة أو كما يطق عليهم ب ...." لتخلي مسؤوليتها من إقرار الجمع غير المعتمد من المجامع اللغوية.