لاشك أن في القلب طاقة تضخ المحتوى مما تختزنه المشاعر، ويطيب للمؤمن دائماً أن يحمدالله الذي لا يحمد على مكروه سواه،لذا تجد لسانه دائماً مرتبطاً بذلك في المأكل والمشرب وفي حالات السرور والحزن،ومن المعلوم بأن دوام الحال من المحال إذ يتعرض الإنسان لظروف معينة ومواقف محددة قد لا تكون بحال من الأحوال موافقة لرغبته،فقد يرغب في شيء معين ولا يتحقق لأي سبب من الأسباب أو أن يكون عكس ما كان معتقداً ومؤملاً في حصوله. هذه الفرضية تحتم التسليم بأن الاستقرار والاستمرار على حال معينة لا يمكن ثباتها طبقاً لظروف الحياة وملابساتها،فقد يكون فقيراً ويغنيه الله من فضله وقد يكون غنياً ويبتليه المولى بزوال شيء من ماله أو ماله كله،وقد يصبح معافى ويمسي مريضاً أو العكس،ومع ذلك فإن المؤمن الصادق يلهج لسانه بالشكر والثناء لخالقه،في حين أن زوال ماله أو جزء منه قد يكون خيراً له ودرءاً لشرور أقسى فيما لو استمر ماله معه،وقد يكون في مرضة خير من هلاكه فيما لو استمر بصحته.ومن هنا ينبع اليقين المطلق بهذه الثوابت الراسخة،ويتجسد هذا اليقين من خلال التفاعل الصحيح والتعاطي السليم،مع معطيات الحياة بشؤونها وشجونها بل والتحكم بالتفاعلات النفسية لاسيما التعامل مع رد الفعل بهذا الخصوص . من هذا المنطلق تسهل الصعاب وتصغر العظائم وتهون المصائب،ذلك أنه موقن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه في استشعار بديع بحلاوة الإيمان والثقة بالمولى عز وجل ليصيب الخير في السراء والضراء في الرخاء والشدة،فإن صبر وشكر فله الأجر،ودائماً تتردد في الأسماع كلمة بليغة عميقة متوارثة وستظل بإذن الله كذلك وهي كلمة (خيره) فيما لو لم يتحقق ما أراد في اتكاء صلب على قوة الإيمان،وما أجملها وما أجملنا كذلك ونحن نرددها بين صغارنا كما كان آباؤنا يرددونها في قناعة مطلقة بما تحقق.وما لم يتحقق،فلربما لو تحقق تتمنى بأنه لم يتحقق،وعلى ضوء ما ذكر يتضح جلياً بأن الضمان في البقاء على حالة معينة ضرب من الخيال،والضامن هو المولى سبحانه وتعالى لأن المسببات التي تستدعي الاستمرار والبقاء على نفس الحالة قد تزول ومن ضمنها الإنسان الذي هو الآخر قد يزول في أية لحظة،ومن الأمور التي حذرنا منها ديننا الحنيف الشماتة وهي داء عضال يتوجب استئصاله والحذر من مغبته،لأنها قد تكون سبباً في انتكاسة المتشمت فلا يلبث أن يسقط سقطة موجعة قد تكون أقسى من حالة من تشمت به. والشماتة لا تمت لأخلاق المؤمن بصلة،بل هي ترجمة لسلوك وضيع وجهل مطبق وغطرسة توحي باختلال التوازن الفكري والنفسي،وتنم عن نشوء حالة انفصام وازدواجية تشوبها حالة من الارتباك المتواصل لمؤشر التفريق بين الخطأ والصواب،بمعزل من صفاء القلب ونقاء السريرة، فبدلاً من أن يدعو له بجبر مصيبته،وينال أجراً بذلك يكون معول هدم يقوض ما بقي من أخلاقه إن كان ثمة شيء منها،وممارسة هذا السلوك الوضيع سواء من خلال الكلمة أو من خلال الشعور الذي يخالج النفس مرهون كذلك بالتوقيت. فحالما يتلقى الإنسان خبراً ما فإن الخواطر تداعب الذهن بسرعة متناهية،لتتشكل ملامح المشاعر المصاحبة لهذا الخبر وفق ما يقره العقل ورهناً باطمئنان القلب أو شقائه وتعاسته،وهذا بطبيعة الحال ينسحب على رد الفعل التلقائي لأول وهله،وهذه اللحظة بالذات مجال خصب لاستثمار مثمر حينما يكون الدعاء لمن ألمت به لائمة حاضراً وبسرعة فائقة تئد الغفلة في مهدها،لكيلا تمسي فترة التأمل الوجيزة مرتعاً للهواجس السيئة،وتحيل بدورها الرغبة الجامحة وغير المنسجمة مع مبادئ المسلم وأخلاقه إلى نوع من التشفي،وغالباً ما ترتبط الشماتة بالسخرية الفجة،والتهكم السافر وتنم عن نشوء خلل نفسي وفراغ يوحي بعزوف الفكر وإعراضه عن الابتكار والابداع والعطاء،فلم يجد سوى ممارسة هذا السلوك المشين ليملأ فؤاده الفارغ من الإيمان في انسلاخ فاضح مع أبسط الحقوق والواجبات المترتبة عليه في هذا الشأن،فضلاً عن أن الإنسان لا يضمن الظروف كما أسلفت فقد يقع في مثل ما وقع فيه المبتلي وفي هذه الحالة فإنه يتمنى أن يدعو له،لا أن يدعو عليه فكلما كانت نيته سليمه وقلبه ينضح صفاءً ونبلاً،فإنه سينال من الآخرين، مثل ما منحهم إبان محنتهم أمعاناً في تأصيل التكافل،وطرق أبواب الفضيلة المشرعة لكل من أعان على الخير في القول والعمل. واللافت أنك تجد البعض وبعد أن يشمتوا ويشبعوا شماتة يختمون حديثهم بقول اللهم لا شماتة،فحري بنا أن نصفي قلوبنا في فلترة دائمة تنقي القلب من الشوائب وتلفظها خارجاً،ولا أحد يبلغ درجة الكمال والكمال لله وحده،والسعيد من اتعظ بغيره،فليست الشماتة من الدين في شيء،ولن تورث إلا الحسرة والذل والخسران المبين،عدا عن جنوحها عن الطريق المستقيم والسلوك القويم،في حين أنها تورث البغضاء والحقد والكراهية ونحن في غنى عن هذه الصفات،وأسأل المولى بأن تندحر وتندثر،وأن يسبغ علينا نعمة التراحم،والتآلف والتواد إخوة متحابين،تربط بين قلوبنا علاقات قوية متينة ينبري لها الإحسان،وتدثرها الرأفة والحنان،مشكلة عقوداً مضيئة تتلألأ وتعانق عنان السماء،في شموخ لم يكن إلا استجابة لأوامر الرحمن،وانقياد لا يشوبه الرياء والسمعة،ومشاعر صادقة تفيض بالحب والنبل والسماحة.