ليس هناك في هذه الأيام وزارةٌ تستدعي الاهتمام والترقب من المواطن أكثر من وزارة المالية,فبعد أن قررت الدولة أن تستمر في سياسة الإنفاق الضخمة على المشاريع التنموية والبنى التحتية فقد أصبح الناس ينتظرون كيف ستتعامل هذه الوزارة مع الإستحقاقات القادمة,فالمواطن البسيط الذي ظل يستمع طوال السنوات الماضية إلى الموشح المكرور بين وزارة المالية من جهة وبين وزارات الدولة المختلفة من جهة أخرى والذي يدور حول تأخر الإعتمادات والتعسير في قضية صرفها وطول الإجراءات البيروقراطية التي تمر بها العملية,هذا المواطن الذي أصبح يتوجس من هذه العملية الطويلة والمعقدة وذلك لضخامة المبالغ المصروفة من الدولة وضآلة الأثر الذي تحدثه هذه المبالغ في واقعه,وإذا كان كثيرٌ من الوزراء وأمراء المناطق يشتكون من تأخر المالية في الموافقة على الإعتمادات المقررة في الميزانية فكيف سيكون حال المواطن البسيط,وقد أصبح المواطن يشاهد النشاط المحموم للوزارات في الشهرين الأخيرين قبل صدور الميزانية لكي تنفق كامل مبلغ الإعتمادات وذلك من أجل ضمان عدم نقص مخصصاتها في السنة المالية القادمة وهذا أمرٌ غريبٌ ومريب!! ومن أهم الأسباب التي تجعل المواطن يشعر تجاه وزارة المالية بالغرابة هو التكتم الشديد الذي تغلف به جميع تعاملاتها فلا يكاد يسمع عنها شيئاً إلاّ وقت صدور الميزانية قبل أن تختفي بعد ذلك من حياة المواطن حتى يحين موعد الميزانية القادمة,وقد حاولتُ الحصول على بعض المعلومات من موقع الوزارة ولكنني لم أظفر بشيءٍ أستفيد منه بل ربما زادت حيرتي,فعند البحث عن معلومات عن صندوق الإستثمارات العامة لم أجد سوى جدولٍ وحيد يوضح حجم هذه الإستثمارات بالمليون ريال ولم أجد مايدل على نوعية هذا الإستثمار ولا مكانه ولا طريقة اختياره ولا نتائجه الربحية ولا حجم الخسائر ولا أسبابها لا شيء من ذلك يبدو ممكناً معرفته من موقع الوزارة,وقد يبدو من الغريب أنّ المواطن السعودي يعرف عن صناديق أبوظبي ودبي والدوحة الإستثمارية أكثر مما يعرف عن صندوق الإستثمارات العامة لدينا!! وقد يبدو من المهم هنا الإشارة إلى أنّ وزارة المالية السعودية تتبع نهجاً شديد التحفظ فيما يتعلق بالفرص الإستثمارية وهذا النهج المتحفظ وإن كان يبدو ظاهرياً أنّه جنب خزينة الدولة بعض نتائج الأزمة العالمية إلاّ أنّه وفي نفس الوقت قد فوّت فرصاً عظيمة على الإقتصاد الوطني,فالكثير من التقارير الإقتصادية العالمية المستقلة تشير إلى تدني هامش الربحية الذي تحظى به الإستثمارات السعودية في امريكا واوروبا وذلك بسبب النهج المتحفظ الذي يستثمر في الفرص ذات المخاطر المنعدمة تقريباً مقابل كثيرٍ من الفرص ذات الهامش الربحي الكبير والتي لا تعد نسبة المخاطرة فيها كبيرةً وفق المقاييس الإقتصادية العالمية,ولذلك كان الحديث عن وزارات المالية في العالم الأول مرتكزاً على العقلية الإبداعية الخلاّقة التي يجب أن تُدار بها هذه الوزارات فلم تعد وظيفة وزارة المالية في الأنظمة الحديثة هي جمع موارد الدولة ثم إعادة صرفها مع توفير بعض الفائض بل أصبح جوهر عملها هو خلق الفرص الإستثمارية المجدية والعمل على تنميتها وتطويرها بالإضافة إلى البحث عن الدائم عن الفرص الجيدة المتاحة وتوفير الأدوات المناسبة للفوز بها والإستفادة منها,كما أنّ المرونة التي ينبغي توافرها في طريقة أداء وزارات المال في العالم تُعتبر من أهم المقاييس التي يعتمد عليها الباحثون لتقييم جودة أداء هذه الوزارات,فليس من المعقول أن تقوم وزارة المالية باستهلاك خمسة أو ستة أشهر في المراسلات مع وزارةٍ ما للحصول على مبلغٍ قد تم اعتماده بالفعل!! بالنسبة للشفافية فليست وزارة المالية وحدها من تقوم بالتعتيم فترتيب السعودية في قائمة الشفافية في السنوات الخمس الأخيرة معروفٌ للجميع وهو قطعاً ليس بالشكل المطلوب ولا قريبٌ منه.نقطة أخيرة ينبغي الإشارة إليها هنا وهي أنّ كثيراً من الوزارات التي تعاني من ترهل أجهزتها التنفيذية وعدم قدرتها على القيام بدورها في تحويل مبالغ الإعتمادات الضخمة إلى واقعٍ ملموس يشعر به المواطن البسيط, حيث أصبحت هذه الوزارات بدلاً من تحمل نتائج فشلها وضعفها تلقي باللوم على وزارة المالية في محاولةٍ منها للتنصل من مسؤلياتها والتهرب من واجباتها, ولذلك ربما كان من الواجب على وزارة المالية أن تطلع المواطن على حجم الإعتمادات وتواريخ الإستحقاق وتواريخ الإيداع في حسابات الوزارات المختلفة وذلك لكي لا تتحمل وزارة المالية تبعات تقصير غيرها وسوء أدائه. http://www.facebook.com/knfalamri [email protected]