في عالم تتصادم فيه الأفكار والمدارس الفكرية والتيارات السياسية والدينية يصعب فيه على المراقب عن كثب تحديد أين يريد ان يكون في خضم هذه المعمعة. الشيء الذي يجعل المتفرج من بعيد في وضع اكثر تشويشا في تقييمه للمواقف التي تحدث امامه ويصعب عليه اكثر ان يحدد المفكر من مدعي الفكر, أو يفرق المثقف عن مدعي الثقافة. ذلك ان الكل في حالة صدام ونقاش قائم دائم ليس على المستوى المحلي فحسب بل على المستوى العالمي. هذا التشويش الحاصل يدعمه الاعتقاد المسيطر بأن هناك فعليا من يملك كامل الحقيقة بالطريقة التي تجعل ما يملك الغير من أفكار باطل لا يمكن حتى التفكير بها. لا يحتاج أحد لأن يتبحر في التاريخ ليعلم ان أعظم العقول البشرية عبر التاريخ والتي وضعت بصماتها في الفكر الإنساني لقرون بل لآلاف السنين لم تدع تملكها الحقيقة وحدها, أو أنها اعتمدت في "نظرتها" للحقيقة على مصدر واحد مهما كان اختلافه مع باقي المصادر. ولا يحتاج احد لوحا وطبشورة لكي يدرك أن تلك العقول في نضالها ضد الأخطاء الاجتماعية والفكرية في وقتها كانت محط استهزاء وتهميش بل وحتى الوصم بالجنون. حتى ان بعض أولئك المفكرين قد قاموا فعلا بما يقاس بمقياس اللحظة "غباء" ولكنه اكتسب قيمة الذكاء كلما بان للأجيال بعدهم الأثر الاجتماعي والفكري لتلك التصرفات "الغبية" على الإرث الثقافي المحلي والعالمي على حد السواء. في الجهة المقابلة كان هناك من اتخذوا أكثر التحركات ذكاءً في وقتها وبمقياس مجتمعها فقط ليبرهن التاريخ مقدار الغباء وقصر النظرة التي أدت بأصحاب تلك التصرفات إلتي اقترفوها ليسجلوا في قسم "الخزي والعار" في التاريخ. نحن لسنا باستثناء لهذه القاعدة لذلك سنرى الكثير من التصفيق والتشجيع وحتى التقديس لمن يرتكبون الآن أفظع الجرائم في حق مجتمعنا, بينما تقام جلسات الضحك والتندر, ومعارك الحرب والإقصاء ضد "مجانين" اليوم, وأساتذة المستقبل. لذلك إن كنت من القلة الذين يرون ذلك النور "المجنون" في آخر النفق, لا تعجب من حال من "تنطع" ولا تجزع لحال من في "البهو". قال جورج ودكوك في كتابه "المهاتما غاندي": "حقيقة الله هي بكل تأكيد حقيقة مطلقة, الحقيقة من وجهة نظر الإنسان هي حقيقة نسبية دائما. حقيقة تتغير بحسب تواصله الذي يتطور مع تطور فهمه للآخرين ولظروفه ولنفسه". msarrar@twitter