العلمانيون العرب غاضبون، لقد خذلتهم صناديق الاقتراع في مختلف محطاتها، التونسية والمغربية والمصرية، والأرجح أنهم سيخذلون في ليبيا وسوريا وغيرهما من دول الربيع العربي، تماماً مثلما خُذلوا في العراق وفلسطين من قبل، في كل مرة تجري الانتخابات بصورة نزيهة وشفافة، يخرج المارد الإسلامي من قمقمه، وقمقم العصر الحديث هو صندوق الاقتراع. الغضب طاقة سلبية، كالندم تماماً، وفي حالة إخواننا العلمانيين العرب، نرى كيف أنهم يضيعون أوقاتهم في كشف سلبيات الخطاب الإسلاموي، بدل العمل الدائب لإنتاج خطاب مقنع لجماهير شعبهم، نراهم يصرفون الأوقات في تصيّد تصريح هنا وتعليق هناك، للبرهنة على ما يسمونه "كذب" هذا التيار و"نفاقه" و"عمق تُقيته"، إنهم يتركون الغابة برمتها، ويبحثون عن "اليابس" من شجراتها فقط، ودائما بهدف البرهنة على أن ما يجري من اكتساح إسلامي لانتخابات الربيع العربي، ليس سوى مسرحية، أُعدّت بإتقان، أريد لها وبها، "اختطاف إرادة الناخب العربي". حسناً، أيها الأصدقاء، نحن نشاطركم القلق والاسف لما آلت إليه أحوالكم وأحوالنا، ولكن لماذا نلقي باللائمة عن هذه المصائر والنتائج، على كاهل الإسلاميين، هل المشكلة في صعودهم أم في هبوطكم وهبوطنا، ألم يأتِ زمن كانت فيه المعادلة معكوسة تماماً، لماذا نبكي "ملكاً ضيّعناه، لم نحافظ عليه مثل الرجال"، وما الأجدى الذي ينفع الناس ويمكث الأرض، الاستمرار في هجاء هذا التيار وكشف مكامن تخلّفه وخطورته، أم الشروع في إجراء مراجعة نقدية شاملة، لكل المسيرة والمسار، للتعرف على مواطن الخلل والإخفاق، والعمل لسد فجواته وثغراته؟ أخشى أنكم ستصلون إلى الانتخابات المقبلة، ولمّا تفرغوا بعد من "حفلاتكم التنكرية" التي تشبه "جلسات الزار"، فتأخذكم صناديق الاقتراع على حين غرة مرة أخرى، بدل أن تكونوا قد أكملتم الاستعداد، وأعددتم العدة ورباط الخيل، لاستعادة ثقة الناخب بكم، هذا هو طريق الخلاص وهذا هو السبيل الأوحد لإحداث الاستدارة المطلوبة في مجرى الأحداث. العلمانيون العرب يدفعون اليوم، الأثمان الباهظة لأخطاء وخطايا ذات صبغة استراتيجية، قارفوها على امتداد السنوات والعقود الفائتة، لم يواجهوا بصلابة أنظمة الفساد والاستبداد، لم يطوروا خطاباً ولا أدوات تليق بالمرحلة وترقى إلى مستوى تحدياتها الجسام، كثيرون منهم، جنحوا لخيار الابتعاد عن ساحات "المقاومة" التي تصدرها في السنوات الأخيرة، التيار الإسلامي، بعد أن كان العلمانيون أنفسهم، هم أول من تصدى وتصدر، هذه الدروب والميادين، التاريخ لا يرحم المتقاعسين، والشعوب لا تغفر لمن يتعالى عليها، ويبتعد عن نبضها وإحساسها، الشعوب تمهل ولا تهمل، وعندما دانت لها ساعة الحساب، قررت محاسبة من تنكر لها، وحاسبته بقسوة. ليست نهاية المطاف ولا نهاية التاريخ، هي جولة ستتبعها جولات، والأجدر أن توظف كل الطاقات في معركة الاستعداد للقادم منها، بدل صرف الوقت والجهد والعرق، في "غضب" لا يُرتجى منه شيء، يجب تطوير التعددية العربية، بتدعيم مواقع القوى العلمانية على اختلاف مرجعياتها ومدارسها، وجنباً إلى جنب مع ذلك، يجب تشجيع الحركات الإسلامية على تطوير خطاب مدني ديمقراطي، فهذا وحده طريق حفز التحوّلات الديمقراطية في بلادنا، هذه وحدها ضمانة الديمقراطية والحرية. لقد أخذت أحزاب علمانية عربية، عقوداً طويلة في سدة الحكم والسلطة، وهي وحدها دون الإسلاميين، من ابتدع الثالوث غير المقدس: التمديد والتجديد، وكان حصاد تجربتها مريراً وعلى كل الصعد، لا حرية أو ديمقراطية، لا تنمية أو رفاه، ولا وحدة ولا حرية، فلتعطَ الحركات الإسلامية عقداً واحداً فقط، تمارس فيه خياراتها، فإن نجحت كسبت الرهان وكانت الأولى بالقيادة، وإن فشلت، ستأخذها صناديق الاقتراع أخذ عزيز مقتدر، أليست هذه هي إحدى الخصائص العبقرية للديمقراطية وتداول السلطة، أليس هذا هو المعنى الأعمق لعبارة "الأيام دول"؟.