لقد مكث النبي محمد بن عبدالله، ثلاث عشرة سنة في مكةالمكرمة يدعو قومه للتوحيد الخالص، إلا أن قومه قابلوه بأشد تعذيب واضطهاد وإيذاء لمن تبعه وسار على دربه، فأذن لهم النبي بالهجرة الى الحبشة ثم الى المدينة فرادى وجماعات..وخشي كفار قريش من تجمع المسلمين بالمدينة فعقدوا اجتماعا خطيرا في دار الندوة ليتشاوروا في أنجع الوسائل للتخلص من الرسول، وشاركهم إبليس في صورة رجل شيخ، مدعيا انه من أهل نجد أراد النصيحة لهم.ولقد فضح الله تبارك وتعالى مخططهم بقوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"، فالاقتراح الأول ان يسجن، فقال لهم ابليس: لا والله ما هذا لكم برأي لأن الخبر سيخرج ثم يكاثرونكم به حتى يغلبوكم على أمركم، والاقتراح الثاني نفيه الى خارج بلادهم، فقال لهم إبليس ان محمدا حسن الحديث والمنطق وسيأسر القلوب وسيجذب الناس إليه ويغلب بهم قريشا والاقتراح الثالث الذي قدمه أبو جهل ان يأخذوا من كل قبيلة فتى شابا نسيبا وسطا فيهم ويعطى كل واحد منهم سيفا صارما فيضربون جميعا بأسيافهم محمدا ضربة رجل واحد، ليتفرق دمه بين القبائل ولا يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعها فيرضوا بالدية، واختاروا لهذه المهمة أحد عشر رجلا.ولما أذن الله عز وجل لنبيه بالهجرة جاء لأبي بكر الصديق لإعداد الخطة والمرافقة وقدم أبو بكر للنبي، راحلتين فوافق على ان يدفع ثمنهما وكانت الخطة كالتالي: ان يخرجا ليلا الى غار ثور من الجهة الجنوبية الغربية من مكة، ويمكثا في الغار ثلاثة أيام حتى يخف الطلب عنهما، وسيتأجرا دليلا ماهرا عارفا بمسالك الطرق وهو عبدالله بن أريقط الديلي، وقدمت اسماء بنت ابي بكر الزاد ووضعته في جراب وقطعت نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين، وأمر أبوبكر ابنه عبدالله ان يستمع لهما لما يقوله الناس عنهما في النهار، فيأتيهما به بالليل ثم رجع الى مكة في السحر ليصبح مع قريش. وأمر الصديق مولاه عامر بن فهيرة ان يرعى غنمه نهارا ثم يريحها عليهما في الغار إذا امسى، ليشربا من ألبانها، ويزيل بها اثار اقدام عبدالله بن ابي بكر، وامر اسماء أن تأتيهما من الطعام بما يصلحهما في كل مساء. وانطلق رسول الله، الى علي بن أبي طالب فأمره ان يتخلف بعده بمكة ريثما يؤدي عن رسول الله، الودائع التي كانت عنده للناس، وأن ينام على فراشه ويتسجى ببرده الحضرمي الأخضر، وطمأنه بأنه لن يصل إليه منهم شيء يكره. وعندما أمر الله رسوله بالهجرة انزل عليه: ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا. وفي طريقه إلى الغار وقبل ان تختفي مكة عن الأنظار نظر إليها الرسول بعاطفة مشحونة بالذكريات تدل على حبه لها لما بها من رموز في حياته، فقال والله انك خير ارض الله واحب ارض الله الى الله، ولولا اني اخرجت منك ما خرجت رواه الترمذي وصححه الألباني. وقد وضع كفار قريش خطة للعثور على النبي، وابي بكر الصديق، فألقوا القبض على علي وضربوه وذهبوا الى بيت ابي بكر وضرب أبوجهل اسماء بنت أبي بكر ووضعوا جميع الطرق النافذة من مكة تحت المراقبة الدقيقة واستأجروا قصاص الأثر ليتبعوا اثارهما حيثما حلا. وصل كفار قريش الى غار ثور وصعدوا عليه ولكن أعمى الله بصيرتهم، قال تعالى إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لاتحزن إن الله معنا. وعندما هاجر الرسول لحق بهم سراقة بن مالك ولكن فرسه ساخت في الارض وطلب الأمان من الرسول وقد مر النبي بأم معبد الخزاعية فسألها عن طعام فاعتذرت بالجدب وكان لها شاة هزيلة ضعيفة فمسح النبي على مكان الضرع فامتلأ لبنا ثم حلبها وسقى صاحبه وشرب. وكان أهل المدينة بانتظار قدوم النبي، فكانوا يخرجون في كل يوم إلى الحرة فينتظرون اول النهار فإذا اشتد الحر رجعوا الى منازلهم، حتى كان يوم الاثنين من ربيع الاول سنة اربع عشرة من المبعث وصل اليهم فعرفوه فأحدقوا به، والسكينة تغشاه والوحي ينزل عليه، وصاح الناس جاء محمد، جاء رسول الله، الله أكبر حتى وصل بعد ذلك الى المكان المخصص لبناء المسجد النبوي عند بني النجار أمام دار أبي أيوب الانصاري، فنزل عنده ثم بني المسجد النبوي ثم مسجد قباء فأسس اول دولة في الاسلام والحمد لله رب العالمين.