لا تقتصر مأساة الإنسان المعاصر على الفعالية السلبية لقوى الطبيعة الجبارة، التي لا يملك أمامها من أمره شيئاً، بل تتعدّاها إلى الكوارث التي هي من صنع البشر، والتي تتضافر معها وتزيد من فعاليتها، فكوكب الأرض مهدّد أيضاً بالتفكك والتحلل والموت نتيجة برامج التنمية والتقدم التقاني، المنفلتة بلا ضوابط منذ حوالي نصف قرن، بمعزل عن الاحتياجات الواقعية، باعثة غازاتها المدمرة التي تزيد خطر الضغط والانكماش الحتمي لطبقة الأوزون، وهو الخطر الذي أصبح جدياً خلال العقود الأخيرة، والذي يتهدّد فعلياً الهواء الذي نتنفسه. خلال الأعوام 1970- 1985، وبسبب التطور الهائل في ميادين التنمية والتقدم التقاني، تركزت في الغلاف الجوي الغازات الصناعية من مكونات الفلور والكربون، فاتسع الثقب الأصلي الموجود ثمانية أضعاف مساحته، وصار كوكب الأرض مهدّداً بفقدان الأوزون في الجزء الأعلى من الغلاف الجوي، وبالتالي تعطلت عملية ترشيح الأشعة فوق البنفسجية، الأمر الذي ترتب عليه تضاعف حالات الإصابة بفقدان البصر، وسرطان الجلد، وتفاقم التغيرات والتحولات السلبية الجينية، وإثارة الاضطراب في الحياة الحيوانية والنظم النباتية، إضافة إلى أن هذا التشويه الشديد لبنية الغلاف الجوي الأعلى يؤدي إلى تغيّرات سلبية في الطقس لا رجعة فيها. لقد توصلت الدول الصناعية المتقدمة، التي حضرت مؤتمر مونتريال عام 1987، إلى ميثاق نص على حسن التصرف والحكمة في ضبط الاستعمال الصناعي الذي ينتج عنه ارتفاع الكميات المنبثقة من غازات الكربون والفلور في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وأن يبدأ مثل هذا الضبط اللبق في العام 1995! يقول دانييل بيرموند في دراسته التي أعدها حول هذه القضية: ولكن، لنا أن نتساءل، ألم يأت هذا الميثاق (على تواضعه) متأخراً جداً عن موعده؟. وهكذا بقيت المشكلة قائمة، ومعقدة، منذ ميثاق مونتريال، لسببين: أولاً لأنّ فترة أكثر من عشر سنوات من التأجيل، قبل البدء بالضبط المهذب، سوف تفاقم التدهور في حالة الغلاف الجوي، وثانياً لأن العالم لن يعود إلى مرحلة ما قبل التصنيع. أي أنّ المشكلة القائمة المعقدة سوف تستمر حتى لو تمّ تطبيق الميثاق حرفياً لمدة قرن، كما يقول العالم الفرنسي جيرار ميجي، لأنّ طبقة الأوزون ستواصل استيعابها لآثار الكلور والفلور والكربون التي انبعثت في عقود الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وستكون استعادة طبقة الأوزون لعافيتها بطيئة جداً. لقد لوحظ في الغلاف الجوي الأعلى نوع من البرودة، وهي ظاهرة سببها تزاوج نقص الأوزون مع ارتفاع نسبة الغازات الصناعية! يتساءل ميجي: هل نحن مقبلون على الكارثة؟ ويجيب: أعتقد أن النظام الأرضي سيجد لنفسه توازناً، ولكن لو اقتصر الأمر فقط على التزام الناس بإلغاء آثار الغازات الصناعية فإن هذا الإجراء وحده لا يمكن اعتباره كافياً لرأب الصدع! أي أنّ الوضع بلغ حداً بعيداً عن قدرة البشر وعن التحكم فيه تماماً. إنّ ظاهرة التوازن الحيوي الطبيعي على الأرض هي التي تمكّن من الاحتفاظ بحرارة الإشعاع الشمسي في المستوى الملائم للحياة، وبالمقابل فإن فعل تغيّر الضغط الطبيعي يرجع خاصة إلى أنّ بخار الماء، وغازات الكربون والميثان، فقدت توازنها بتأثير الارتفاع المحسوس لغاز الكربون، الذي تفاقم انبعاثه وانتشاره منذ مطلع القرن العشرين، أي منذ انطلاقة عمليات التصنيع الهائلة في الشمال، فكانت النتيجة هذا الأثر المضاعف للضغط الذي يمكن أن يتسبب في جفاف كوكب الأرض. بصدد المسؤولية عن الكارثة الماثلة التي يتعرّض لها كوكب الأرض يقول جيرار ميجي: "بأيّ حق يمكننا (نحن دول الشمال) مطالبة البلدان التي تحاول السير على طريق التنمية بإيقاف تطورها، بينما نحن عملنا على تأمين تطورنا منذ أكثر من مائة عام، وأمعنّا في إفساد المجال الحيوي للكوكب، من دون أن ندفع نحن ثمن كل أنشطتنا التي أنتجت التلوث".