أكاد أجزم بأن رئيس مصر لن يكون من بين المرشحين الحاليين للرئاسة، وما هذا بتنجيم أو قراءة للطالع، لكن محاولة قراءة عقلانية للمشهد. ولنأخذ الأمر خطوةً خطوة حتى نقترب من الفهم. أولا: العملية السياسية المطروحة أمامنا الآن تجعل المجلس العسكري يحكم مصر حتى 2015.. كيف؟ لنبدأ بعلاقة موضوع الرئاسة بالجدول الزمني المقترح من قبل المجلس العسكري الحاكم، مع ملاحظة أن الجدول الزمني يعاني فجوة ما بين ما هو نظري وكلام مكاتب، والجانبين الواقعي والعملي على الأرض. وخير مثال على ذلك هو موضوع تسليم السلطة من المجلس العسكري إلى المدنيين. فمثلا كان المطروح نظريا هو أنه بعد ثورة «25 يناير» تسلم السلطة إلى إدارة مدنية بعد 6 أشهر، هذا هو النظري، أما العملي، فهانحن وبعد 9 أشهر من الثورة، بالكاد بدأنا الطريق في عملية تسليم السلطة من خلال فتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية، وهي عملية طويلة سوف تستغرق حتى شهر مارس المقبل كما هو مطروح بالنسبة لانعقاد أول جلسة لمجلس الشعب الجديد. أي بعد مرور أكثر من عام على الثورة. مرة أخرى ما علاقة ذلك بأن الرئيس المقبل لمصر لن يكون من بين المرشحين الموجودين على الساحة الآن؟ من المهم أن نعرف أن أعظم حملات الانتخابات الرئاسية من حيث سرعة البدء والتكلفة تكون في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهي في الغالب تبدأ في العام الأخير من الرئاسة بالنسبة للرئيس الموجود في البيت الأبيض، أي أننا نتحدث عن عام كامل من الحملات الانتخابية التي يخرج بعدها عشرات المرشحين من الحلبة، ليس لأن أفكارهم قد نضبت، لكن لأنهم أفلسوا ولا يستطيعون تكوين حملة انتخابية تستمر لعام كامل، وفي الغالب يفوز بالرئاسة من لديه أموال أكثر يستطيع إنفاقها على حملته الانتخابية. في مصر نحن نتحدث عن حملة انتخابية للسيد عمرو موسى مثلا أو البرادعي بدأت منذ 6 أشهر وسوف تستمر لمدة عامين على الأقل؛, لأن المجلس العسكري حتى هذه اللحظة لم يحدد موعد الانتخابات الرئاسية، ولن تكون هناك انتخابات رئاسية قبل 2014، أي بعد اكتمال عملية كتابة الدستور والمعارك المحيطة به، التي سوف يأخذ المصريون وقتا طويلا لحسمها. هذا إذا افترضنا أن العملية السياسية في مصر سوف تسير بهدوء تام من دون مطبات سياسية ومن دون أحداث عنف أو قتل كأحداث ماسبيرو الأخيرة تحدث أثناء انتخابات مجلسي الشعب أو الشورى، وهي أحداث سوف تكون كثيرة ومع ذلك سوف نستبعدها من أذهاننا بالقول إن الجدول الزمني للمجلس العسكري وعملية انتقال السلطة سينفذان وكأننا لسنا في مصر بل في سويسرا. ومع ذلك ستبدأ عملية انتخاب الرئيس عام 2014، أي 3 سنوات بعد الثورة، يكون حمدين صباحي قد أفلس تماما، وعمرو موسى والبرادعي لم يفلسا فقط بل تقدم بهما العمر 3 سنوات أخرى، وسنفترض أنهما من أكبر الرياضيين في العالم ولن تصيبهما أي أمراض مما يصيب البشر، ومع ذلك فكلاهما يحتاج إلى ملايين الدولارات لتمويل حملة رئاسية لمدة 3 سنوات! هذا إذا استثنينا الملل الذي سوف يصيب الناس من تكرار الكلام ذاته ومشاهدة الوجوه ذاتها على مدار 3 أعوام. أعرف أن البعض سوف يتساءل عن تلك الفجوة بين الجدول النظري المطروح من قبل المجلس العسكري والجدول الزمني الذي يفرضه الواقع، وربما يتشكك البعض في أن المجلس العسكري إما بتركيبته هذه وإما بتركيبة أخرى وأسماء أخرى سيكون هو رئيس مصر حتى 2015. إذا افترضنا أن انتخابات مجلس الشعب سوف تمر بسلام، كأننا في سويسرا وليس في مصر، وكل المؤشرات تقول غير ذلك، ومع ذلك لنفترض السلام، ونقُل إن مجلس الشعب سينعقد بالفعل في شهر مارس المقبل، أي بعد عام وشهرين من الثورة، أي ضعف المدة التي حددها العسكر نظريا لتسليم السلطة في بداية الثورة، إذا افترضنا هذا كله، وبحسن نية فنحن نتحدث عن عام آخر يمكن تسميته عام الدستور. ترى من أين سيأتي عمرو موسى أو البرادعي أو البسطويسي أو أبو الفتوح بالأموال لتمويل حملة رئاسية تستمر 3 أعوام؟ ومن سيكون لديه الرغبة لسماع هؤلاء بعد كل ما سمعوه منهم وعنهم؟ المرشحون للرئاسة في مصر اليوم لهم عدوان: «المال والملل»، لن تتكون عندهم أموال كافية للاستمرار وسوف يمل الناس منهم بحكم الطبيعة البشرية وليس انتقاصا من شأنهم. والذي لا شك فيه أن البعض، ممن سيفوزون بمقاعد مجلس الشعب، سوف تهيئ لهم شياطينهم أن لهم شعبية جارفة وأن لهم قبولا أكبر مما كانوا يتصورون، فلماذا لا يرشحون أنفسهم لهذا المنصب الرفيع؟ وهنا تبدأ رحلة الوجوه الجديدة الطامحة والطامعة. الموضوع يحتاج إلى مقال أطول، ومع ذلك أقول: إن رئيس مصر ليس من بين هؤلاء؛ لأن المال والملل ضدهم.