تابعت بمزيد من الخوف والقلق التطورات المحزنة للأحداث التى شهدتها مصر وانتابني شعور الخوف على البلاد وانا اتابع تدحرج كرة نار الفتنة الملتهبة التى تريد جرّ البلاد الى هاوية الخراب والدرك الأسفل منفتنة عمياء تأكل الأخضر واليابس ولا ينجو من شرها أحد . ما حدث أكبر مما هو متوقع فى مثل هذه الاحتجاجات،لم تكن المظاهرات هي الأولى فلقد سبقها مئات المظاهرات المتنوعة وعلى خلفيات متعددة ، مطالب فئوية ومظالم اجتماعية واحتجاجات سياسية ونقابية،ومظاهرات طائفية واعتصامات ومليونيات،لكن ما حدث بالأمس كان الأول من نوعه سواء من حيث العنف والاعتداء وإطلاق الرصاص وإسقاط قتلى وجرحى وحرق سيارات وعربات تابعة للقوات المسلحة ،اضف إلى ذلك حالة الاستنفار العام بطول مصر وعرضها للمشاركة فيما اطلق عليه " يوم الغضب القبطي " وتسيير مظاهرات في عدة محافظات في وقت واحد كنا ولا زلنا نؤكد على حرمة الدم المصري. فالدم المصري مليون خط أحمر ، وليس من طبيعة شعبنا المصري العنف الدموي ولم ننزلق من قبل ولم تجر البلاد الى حرب اهلية أو معارك طائفية كما حدث في بلدان مجاورة طحنتها الحرب الأهلية والطائفية والسياسية وبقيت مصر سالمة من تلك الكارثة الحارقة ، وبقي شعبها مضرب المثل في التسامح والتعايش السلمي الآمن ، اما ماحدث بالأمس فهو تطور غريب على الطبيعة المصرية وعنف مستورد لم نعهده كشعب ، سواء مسلمين أو مسيحيين ، وانا اطلق نداء تحذير وانتباه لمحاصرة هذا الوافد اللاعين ، وأخشى ان يكون مقدمة لمنزلق خطير يجرف البلاد والعباد الى ما لا يُحمد عُقباه. قطرة الدم المصري اغلى ما تملكه مصر ، ولا يمكن التفريط فيه او التسامح مع من سولت نفسه ان يسفكها ، سواء كان دم مواطن مصري في اي مكان او كان دم جندي مصري في اي موقع، وسواء اكان الجاني اجنبياً او من بني مصر ،فالدماء التي سالت منذ ساعات دماء مصرية غالية كنا ندخرها لحماية الوطن ولتهضة مصرنا التى تسكن قلوبنا ، لا أحد في مصر يقبل ما حدث ،كنا ولا زلنا نؤكد على حرمة النيل من هيبة الدولة وانتقاصها واهانتها. ولا عاقل يؤيد الاعتداء على هيبة الدولة وإهانة الجيش المصري ومعداته وجنوده ، فهو ملك مصر وليس ملك مسؤول او مجلس ، حان وقت التأكيد على حرمة هيبة الدولة وقواتها المسلحة ومنع كافة المظاهر التي تنال من قدسية الدولة وهيبتها حتى لا يتجرأ اعداء مصر - وهم كثيرون - فينالوا منها. كنا ولا زلنا نؤكد على أن مصر مستهدفة وعليها تدور الدوائر وتحاك المؤمرات. ما نكاد نطوي صفحة ونمضي خطوة للأمام على طريق بناء مصر الحديثة ونخرج من النفق المظلم الذي عاشت مصر فيه حيناً من الدهر حتى تُفاجئنا جولة جديدة من تطورات الأحداث التي تربك المواقف لدى الجميع وتوقعهم في حيرة من أمرهم ، وكأني بصوت الرئيس المخلوع وهو يهدد الشعب المصري بالفوضى وعدم الاستقرار والشعار الذي اطلقه " أنا أو الفوضى " ، كلما اقتربنا من استحقاقات بناء المؤسسات الدستورية حدثت موجات من الانفلات والخروج المتعمد عن القانون والعرف والمألوف والمفترض ،لذلك لم اتعجب وأنا اطالع تصريحات وزيرة الخارجية الإمريكية في اعقاب اندلاع أحداث الأمس الدامية حيث قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في اتصال هاتفي ل"سي إن إن"، نحذر المجلس العسكري في مصر من تفاقم الأوضاع الدينية والضغط على الأقليات المسيحية في مصر. أضافت كلينتون: "نحن نعرض على المجلس العسكري الحماية والمساعدة بقوات أمريكية، لحماية دور العبادة الخاصة بالأقباط والمناطق الحيوية في مصر . ولقد تعودنا ان تطلق هذه التصريحات وتنسب لمسؤولين كبار في الإدارة الامريكية ثم يتم التخفيف من حدتها أو نفيها بالمرة،وهذا منحنى خطير ينبغي أن يلتفت اليه الجميع ، إنّ الاستقواء بالقوى الخارجية وطلب الحماية الغربية وفرض الوصاية الأمريكية خيانة للوطن ينبغي أن يتطهر منه كل أبناء مصر المخلصين ، ولا اظن أنّ أحداً من الوطنيين الشرفاء - سواء أكان مسلماً أم مسيحياً ، إسلامياً أو يسارياً او ليبرالياً أو قومياً يرضى بالتدخل الامريكي السافر الذي صرحت به كلينتون أمس ، هذا تحرش امريكي بمصر الثورة ، مصر الشعب قبل ان يكون تحذيراً للمجلس العسكري والجيش المصري ، وهذا سلوك اعتادت عليه الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس المخلوع ولا يمكن قبوله في عهد الثورة ، فلا الجيش المصري ممثلاً في المجلس الأعلى للقوات المسلحة يقبل ذلك ، ولا الشعب المصري بكل تياراته السياسية وقواه الداخلية يسمح بذلك. هذه رسالة غير مسؤولة ضلت طريقها وليس بوسعنا ان نقبلها أو نتفهم اغراضها فليس امريكا حامية للشعب المصري أو بعض طوائفه وليست هي مبعوث العناية الإلهية ، تاريخها الملطخ بدماء الشعوب -العربية والإسلامية -بل ومن قبل في فيتنام واليابان - تاريخ اسود مشين يندي له جبين البشرية ، واولى بكلينتون أن تتحدث عن مواجهات الامن الأمريكي مع الشباب الامريكي في وول سترت الأسبوع الماضي. نحن - كشعب مصري - قادرون على حل كافة مشاكلنا وقضايانا التي ورثناها من النظام البائد الفاسد المستبد. أحداث الأمس لها خلفيات ومقدمات قديمة معلومة سلفاً ، وكان نظام مبارك يستخدمها بين الحين والآخر من أجل بسط الهيمنة والسيطرة الأمنية على مصر البلاد والشعب والمؤسسات ، وتقديري للموقف الراهن أن البلاد في حاجة ماسة الى فرصة التقاط الأنفاس وترتيب البيت واعداد البلاد وتأسيس نظام جديد كفيل بحل مثل هذه القضايا الهامة التي تهم ملايين المصريين ، بل نأمل أن النظام الجديد - نظام مصر الثورة - لا يسمح بنشوء مثل هذه القضايا في المستقبل. كثير من الاضطرابات الطائفية والفئوية والاجتماعية والسياسية كانت تحدث لعدم وجود كيانات ومؤسسات تمثل أصحاب المطالب والمصالح ، كنا امام مؤسسات وكيانات خادمة للرئيس المخلوع الذي اختزل مصر العظيمة في شخصه وأسرته وعصابته ، وضاعت حقوق الشعب بكافة طوائفه وتياراته ، كلنا كنا نشكي من الظلم والأضطهاد الذي طال البلاد والعباد والأن نود الوصول الى حالة الإستقرار كي تُرفع المظالم وتُرد الحقوق لأهلها وتصبح مصر دولة قانون ومؤسسات خادمة للشعب وحده ،دولة القانون والمؤسسات هي الحل وهي الخروج من هذه الأزمات والواقية من نيران الفتن نعم يزداد يقينى يوماً بعد يوم أن حل المعضلات والخروج الآمن من الأوضاع الراهنة يتمثل في مضي الشعب المصري على طريق بناء دولته وتأسيس حياة جديدة بمؤسسات شعبية نيابية منتخبة و حكومة وطنية تعبر عن ارادته وتنهض باعباء خدمته ، ودستور عصري يليق بمصر التاريخ والحاضر والمستقبل ويلبي طموحات الشعب المصري وتضحيات أبنائه الكرام. ان ارساء دولة القانون وخضوع الكافة له يعصم البلاد من الوقوع في براثن أطماع الأعداء المتربصين بنا وبثورتنا ، وارى ان الشروع في إجراء التحقيقات الفورية النزيهة الشاملة فى الأحداث التي جرت وإظهارها وبيان ما انتهت اليه من حقائق وتبصير الشعب بها و محاسبة كل من تسبب فيها وأخطأ مهما كان موقعه او منصبه ، فليست مصر لعبة في أيدي العابثين أضم صوتي لكل المخلصين من أبناء الوطن نطالب بسرعة التحقيقات ومحاسبة الجناة وبيان الحقائق وكشف المستور. الرد الحقيقى الفعال على هذه الأحداث يتمثل في امرين الأول تأكيد الجميع على اعلاء دولة القانون وتحقيق العدالة الناجزة في هذا الشأن دون إبطاء أو تسويف أو تاجيل ، غير مقبول ترك النار تشتعل في النفوس والشحن الطائفى متزيد ، في ظل ضعف صوت الحكمة ومكابح الرشد ومرجعيات العقل. الامر الثانى : تاكيد الجميع على ان مصر ستكمل مسيرتها نحو تأسيس دولتها الحديثة ، وأن فتح باب الترشيح للمجالس النيابية يوم الأربعاء قائم لا تغيير فيه ، بل زاد اصرار الشعب على استكمال هذه المرحلة الاهم في تاريخ مصر حتى تتكون سلطة مدنية منتخبة من الشعب انتخاباً حراً نزيهاً تتسلم أمور البلاد من المجلس العسكري أرجو ان تكون هذه الأحداث المحزنة خاتمة لمرحلة التردد والضباب التي لفت مصر كلها، واتمنى ان تُطوى تلك الصفحة وأن يشرق الشعب المصري من جديد ويُطل على العالم متماسكاً كما هو حاله في وقت الشدة والأزمات ، متمسكاً بوحدته الوطنية وجبهته الداخلية ، وان ينبذ من بين صفوفه نوازع الفتنة ومحدثيها . وقى الله مصرنا شر الفتن ، ما ظهر منها وما بطن .