في ندوة عقدها المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية بمصر يوم 28 سبتمبر 2011 حوا "إعادة قراءة العلاقات المصرية الإسرائيلية في ظل المتغيرات الإقليمية الحادة" وضم نخبة من المفكرين المصريين طرح الدكتور قدري حفني أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس سؤالا يستحق التفكير كان قد سبق له طرحه على عدد من العسكريين المصريين، الدكتور حفني سأل العسكريين اذا ما كانوا يؤمنون بحتمية الصراع مستقبلا مع اسرائيل رغم وجود معاهدة سلام معها,وكانت أغلب إجابات القادة العسكريين له هي أنهم يعتقدون أن حربا حتمية ستقوم مع إسرائيل، وهنا جاء سؤاله الذكي لهم، اذا كانوا يؤمنون بحتمية هذا الصراع يوما ما فلماذا لا يقومون بزيارة اسرائيل للاطلاع على ارض المعركة ومعاينتها بأنفسهم؟ أليس السلام في هذه الحالة يمثل فرصة ذهبية واستراتيجية لهم لرؤية الأرض التي سيحاربون عليها؟ الصدمة له كانت في حصوله على اجابات تستغرب هذه الخطوة بحجة أنهم يرفضون التطبيع! هذا المثال البسيط يختزل أزمة العقل العربي في صراعه مع اسرائيل، سيدي القارئ الكريم، ماذا تعرف عن إسرائيل؟ منذ قامت دولة اسرائيل وبدأ صراعنا معها رفعنا أحد أشهر الشعارات العربية: "إعرف عدوك"بقي الشعار وذهب مضمونه،وبتنا مطالبين في الاستمرار في صراع مع عدو نحن للأسف نجهله،وجهلنابه هو أحدأسباب إخفاقاتنا معه،إن لم يكن السبب الرئيس,نحن عجزناعن تشريح اسرائيل بالشكل المطلوب ولذلك عجزنا عن اكتشاف نقاط ضعفها ومكامن خللها التي يمكن لنا من خلالها أن نخترقها,أوأن نوجه لها ضربات إعلامية قاصمة كما توجه هي لنا،لم نولد خطاباسياسياموجها للداخل الاسرائيلي كما تقوم هي،جعلنا من اسرائيل كتلة مصمتة مصنفة كعدو فوحدناهم وهم الفرقاء المنقسمون بداخلهم فعجزنا عن شق صفوفهم..السياسة الفاشلة لا بدأن تولد نتائج فاشلة فأنت لاتجني من الشوك العنب. اسرائيل تموج من الداخل بتيارات وافكار متعددة تتباين فيما بينها تباين الليل والنهار، يقفون موقف معادي من بعضهم في أحيان أكثر مما قد يقفوه معنا، ولديهم من الصراعات الداخلية ما يجعل جبهتهم أكثر تصدعا منا،ومع ذلك لم نستثمر هذاالأمربالشكل المطلوب ولوحتى إعلاميا كأضعف الإيمان,وقد ذكرت سابقا في مقال لي بصحيفة الوطن بتاريخ 20 / 10/ 2020 بعنوان "الحجاب الإسلامي والحجاب اليهودي" أمثلة على اجبار النساء اليهوديات على ارتداء الحجاب في المحاكم الحاخامية في مدينة "بتاح تكفا" (Petah Tikva) وكيف أن النساء اليهوديات في منطقة "بيت شمش" (Beit Shemesh) يرتدون ليس فقط حجاب وانما نقاب كامل، نقاب وصفته مجلة التايمز البريطانية أنه نقاب يخفي كل شيئ ما عدا العينين ويشابه ما ترتديه النساء في منطقة الخليج،ووضعت رابطا لصور هذا النقاب من خلال مدونة "هانا كاتسمان" التي تطلق على نفسها "أم في إسرائيل" (www.amotherinisrael.com) وترصدهذه الظواهرمن خلال حياتهافي تلك المنطقة بالتحديد،ذكرت تلك الأمثلة في فترة كان الجدال فيها حول النقاب في أوروبا مشتعلا ويتم تصويره على أنه أمر "إسلامي" يغزو أوروبا،وتساءلت هل يمكن أن نرد الهجمة وندحض الاستراتيجية الإسرائيلية في الإعلام العالمي التي تصفنا بالرجعية والتخلف من خلال استثمار مثل هذه الأمثلة إعلاميا؟ على أن المسألة لا تتوقف فقط عند قضية التعامل والاستفادة الاعلامية من مثل هذه الامور،بل الأهم هو الغوص في عمق تركيبة المجتمع الاسرائيلي وتشريحها وتفككيها،اسرائيل ليست حديقة غناءبالليبرالية والتقدم على النمط الغربي كما يتم تصويرها في الذهنية العالمية،ومنطقة "بيت شمش" هذه مثال قوي وصادم على حقيقة ما يحدث داخل اسرائيل، قبل شهر تقريبا 1/ 9/ 2011 شهدت تلك المنطقة أزمة كبيرة بسبب افتتاح مدرسة للبنات،الجدير بالذكر أن تلك المنطقة يسكن بهافئتين،الحريديين (Haredi) والوطنيون المتدينون (National Religous) وكلا الفئتين تندرجان تحت مجموعة اليهود المتشددين دينيا،فالوطنيون المتدينون على سبيل المثال يؤيدون الاستيطان ممايجعل نتنياهو وحزب الليكوداقل تشددا منهم،والقصة مفادها حدوث مشادات وتظاهرات من كلا الفئتين في المنطقة دعما واعتراضا على افتتاح مدرسة بنات (غير مختلطة) تابعة للوطنيين المتدينين،بينما اعترض الحريديون(الأكثر تشددا) على هذا الأمر بحجة أن الفئة الأخرى أقل احتشاما في ملبسها وأن مدرسة البنات الواقعة على حافة أحيائهم ستفسد أخلاق أبنائهم،ولنا ان نتخيل أن مجرم مثل باروخ جولدشتاين الذي نفذمجزرة الحرم الابراهيمي في الخليل ينتمي لأحد طوائف اليهود المتدينين (الأقل احتشاماوتدينا من وجهة نظرالحريديين)، وبعيدا عن تفاصيل القصة التي استدعت تدخل الأمن بعد احتلال الحريديين لمبنى المدرسة وتهديداتهم المستمرة بالتهجم عليها،فخلاصة الأمرأن ثمة فسيفساء متنوعة وكبيرة داخل اسرائيل نجهل الكثير عنها وعن توجهاتها والأهم نجهل كيفية استثمارها لصالحنا،في المقابل تقوم الحكومة الإسرائيلية بذكاء شديد في استثمار أقل الخلافات بين فتح وحماس وتغذيه بخطابات ذكية موجهة للداخل الفلسطيني والعربي، بينما خطابنا نحن لا يزال يدور في فلك جريمة عدم التطبيع، في الوقت الذي بإمكاننا فيه أن نبادر بسياسات مبتكرة وذكية لشق الصف الاسرائيلي من الداخل،فما هوفي الحقيقة القاسم الاجتماعي المشترك بين اسرائيلي علماني يؤيد حق الفلسطينيين في دولتهم وبين اسرائيليين من طوائف أخرى كما ذكر أعلاه؟ومن ثم كيف لناأن نضعهم كلهم في سلة واحدة وأن نتعامل معهم انطلاقا من هذا الأساس؟ في المقابل أيضا علينا أن نتساءل، اذاماعلمناأن في اسرائيل من داخلها كل هذا الاختلاف,والتنوع والتعددالذي يتفوق بكثير على اختلافاتنا نحن,وتعدد توجهاتنا داخل مجتمعنا،فالسؤال هو كيف استطاعت اسرائيل أن ترأب مثل هذه التصدعات من البروز وكيف تنجح في معالجتها باستمرار؟ ربما النظر الى أعدائنا يشحذ قريحتنا للتدبر في أمرنا حيث فشل النظر إلى أصدقائنا،ماذا نعرف حقيقة عن اسرائيل من الداخل؟وكيف يمكن لهذاالعلم ان يفيدنا في تقويتنا من الداخل؟ وكيف يمكن ان يفيدنافي تعاملنا معهم من الخارج؟ سؤال لانزال بعيدين عنه،مكتفين بترديد الآية الكريمة "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى" دون ان اي تدبر في مضمونها,اوالعمل بها.