عندما يُمنع عازف الجيتار الإسباني (كارلوس بينانا) والموسيقار العربي العالمي (نصير شمة) من إقامة حفلهما في المنطقة الشرقية، خلال احتفالات عيد الفطر الماضية، بعد أن تم الإعلان رسمياً عن الموعد المحدد في وسائل إعلامنا المحلية؛ بسبب تدخل بعض المحتسبين المقتنعين بوجهة نظر فقهية معينة.وعندما يتجه العشرات من الأدباء والمفكرين وغيرهم من الكتاب السعوديين للخارج سنوياً؛ لنشر كتبهم ودواوينهم التي لا يُسمح بطباعتها داخل أوطانهم؛ لأنها تحمل في داخلها أفكاراً تخالف توجه بعض محبي فرض قناعاتهم على الآخرين.وعندما نشاهد أجمل وأشهر المسلسلات السعودية الرمضانية وغيرها من الأعمال على غير قنواتنا التلفزيونية؛ لأن قيود الرقابة -المتكلفة والمبالغ فيها- حالت في سنوات ماضية دون البث الحُرِّ لما يريد أصحاب تلك الأعمال بثه دون قيود.وعندما يتجه رسامو الكاريكاتير السعوديون لمواقع الانترنت، أو لصحف خارجية، لنشر بعض رسوماتهم التي منعت من النشر في صحافتنا؛ لأنها تحمل دلالات معينة لا تستطيع المرور أمام مقص الرقيب. وعندما يقف البعض حجر عثرة في طريق الفن والإبداع في مهرجانٍ فني وطني كبير كمهرجان الجنادرية، دون مبرر سائغ أو عذر سليم، مستهدفين بوقوفهم السلبي كثيراً من المناشط والفعاليات التي يقوم بها في هذا المحفل أبناء الوطن وغيرهم من الضيوف الذين يزورون هذا المهرجان في بلادنا سنوياً؛ ثم يعودون بعده إلى أوطانهم وفي جعبتهم الكثير من المشاهدات والأخبار والانطباعات التي ينقلونها لشعوبهم عن المملكة وحضارة شعبها وتراثه وثقافته. وعندما تُصادَر وتطمس كثير من اللوحات الجميلة والصور المختلفة في متاجرنا ومكتباتنا، بسبب خروجها عن الإطار الإيديولوجي الذي يريده ويتبناه من قام بمصادرتها أو تشويه ملامح الفن فيها.عندما يحدث ذلك كله وغيره الكثير، ويتكرر باستمرار في بلادنا، نجد أننا أمام سؤال مهم لا بد علينا من تكراره وبصوت مرتفع، ولا بد من جميع الجهات المسؤولة الإصغاء له وتأمله جيداً قبل الإجابة عنه، إذا أردنا لهذا الوطن التقدم والنجاح والمنافسة في جميع المجالات الفنية والثقافية والسياحية والحضارية المختلفة .. إلى متى ولماذا ولمصلحة من يبقى سقف حرية الفن والرأي والإبداع الثقافي والفكري منخفضاً في بلادنا؟. يجب أن تُوقف جميع أشكال وأساليب الوصاية والرقابة التي يمارسها البعض على الناس في جميع المجالات عامة، والفني الإبداعي منها خاصة؛ لأن التعسف والعناد والمبالغة فيها، وزيادة التركيز عليها قد يضطر كثير من الفنانين والمبدعين إلى الانفجار في الاتجاه المعاكس، وبشكل مبالغ فيه أيضاً، كردة فعل لما يُمارس ضدهم، وهذا ما يفقد المجتمع توازنه واعتداله الطبيعي، الذي ينبغي أن يعيشه كما تعيشه جميع المجتمعات السوية في العالم. إن لكل فعل ردة فعل مساوية له في القوة ومعاكسة له في الاتجاه، كما تقول تلك النظرية الفيزيائية الشهيرة، التي قد نفهم عند تطبيق مفهومها على واقعنا الفكري والمجتمعي سبب الكثير من الظواهر الغريبة التي نشاهدها تنمو وتتصاعد وتنتشر بيننا انتشار النار في الهشيم. أليس من الجميل أن تتعايش جميع الأطياف الفكرية في أجواء عليلة من المحبة والألفة والفرح والسلام والوئام، وبصورة تكفل لكل إنسان حقه في العيش وفق قناعاته وبالطريقة التي تناسبه، دون أن يعكر بعضنا صفو حياة البعض الآخر؛ حتى وإن اختلفنا في قليل أو كثير من الآراء ووجهات النظر؟! [email protected]