لعل الحالة التي كتبتها الأستاذة نجوى العشري في مقالها الذي نُشر في جريدة الأهرام الصادرة بتاريخ 21 يونيو 2011 عن اكتشاف تمثال حصان ممسوخ منسوب إلى الفنان الرائد الراحل جمال السجيني في معرض (مختارات عربية) الرابع في أتيليه جدة توقظنا من سبات عميق دام خمسة عقود، والتحرك سريعاً إلى إيجاد لجنة للمراقبة والفحص والتقييم، على غرار هيئة المواصفات والمقاييس بوزارة التجارة؛ لضبط هذه الأنشطة، ومحاربة حالات الغش والتزييف والقرصنة بكل أشكالها، وإعادة رسم اللوحات المشهورة والنسخ والمسخ، ومنع استيراد الأعمال الفنية لغرض البيع دون وثائق أصل ومنشأ، التي تمارسها بعض الصالات ورسامو الأسواق. وأقف في هذا الموضوع على المغالطة التي قام بها أتيليه جدة في حملته الترويجية لمعرض مختارات عربية الرابع، باستعارة العبارات المفخمة ووصفه واحداً من أكبر التظاهرات العربية التشكيلية لرواد عرب أثروا حركة الفن العربي بأعمالهم التي غيرت الكثير من المفاهيم وأشكال الفن وتوجهاته وتحضيرها لبينالي عربي! ففيها انتقاص من احترام تلك العبارات التي لا تمثل الحقيقة، وهي بحد ذاتها هضم في حق الفن العربي ومغالطة في غياب المبدعين الكبار من المحيط إلى الخليج، فالمشاركون ال 87 غالبيتهم من مصر والسعودية وليس بينهم من الرواد (بمفهومه الشامل) (باستثناء 5 من 49 مصرياً و1 من 26 سعودياً)، والآخرون المقيمون في جدة من اليمن والصومال والسودان وسوريا غير معروفين في أوطانهم بوصفهم فنانين. وعن المشاركين الآخرين الذين وصفتهم الصالة بالرواد (العراقي «سعد الكعبي»، الفسطيني «مصطفى الحلاج»، السوري «محمد المصري»، اللبناني «عمران القيسي»، السوداني «راشد ذياب»، التونسي «نجا المهداوي») تبيّن لي بعد البحث والتقصي أنهم ليسوا رواداً، ولم أجد أسماءهم في قائمة الرموز المعروفين الذين كان عطاؤهم واضحاً في العقدين الأخيرين من القرن الماضي وأسلوبهم ثري ومؤثر وبصمتهم واضحة على الفن التشكيلي في أوطانهم، فمثلاً: في العراق (ضياء العزاوي، نوري الراوي، رافع الناصري، حافظ الدروبي، عطا صبري، فائق حسن، جواد سليم، محمود صبري، كاظم حيدر، شاكر حسن، نبيهة سليم)، في فلسطين (إسماعيل شموط، إسماعيل فتاح، كمال بلاطة)، في سوريا (رشاد قضيباني، ممدوح قشلان، سامي برهان، لؤي كيالي، فاتح المدرس، روبيز ملكي، عبد القادر أرناؤط، إسماعيل حسني، محمود دعدوش، درية فاخوري، محمود جال، نصير شورى، بركان كركتلي) في لبنان (نجيب شكري، عبدالله مطر، إبراهيم النجار، مصطفى فروخ، خليل الصليبي، نعمة الله المعادي، جبران خليل جبران، رئيف شدودي، يوسف الحويك، عمر الأنسي، ميشيل بصبوص، عارف الريس، وجيه نحلة، سعيد عقل، بول غراغسيان، موسى بلاطة، حسين ماضي، نيقولا النمار)، في السودان (أحمد شبرين، إبراهيم الصلحي، أحمد عبدالعال، إبراهيم العوام)، في تونس (عبدالعزيز القرجي، عمار فرحات، الهادي الجياش، يحيى التركي، عمارة دبش، حسين السويفي، عبدالوهاب الجيلاني، فتحي زاكور). ومن هذه اللمحة نلاحظ المغالطة في التصنيف الذي يجب التأني فيه؛ حتى لا تُؤخذ الأمور على علّاتها؛ لأن مسألة التصنيف والتقييم والريادة في أي حركة تشكيلية تقوم على مدى مساهماتهم في فنون أمتهم ومدى الأصالة التي تطبع أعمالهم بطابع تاريخي. والحل بيد وزارة الثقافة والإعلام بتكوين لجنة مسؤولة عن هذه الأنشطة وتفعيل المرسوم الملكي رقم م -41 وتاريخ 2-7-1424ه بصدد الموافقة على نظام حقوق المؤلف وتطبيقه على الفن والفنان التشكيلي، في سبيل الوصول إلى الفن النقي والحرص على صدقه وأصالته وحفظ الحقوق الفكرية والمادية لجميع الأطراف.