يرى البعض أن الأمل ثوب منسوج من خيال من أجل تضميد جراح اليأس ، أو حكاية من حكايات من قبل النوم ذات السطور القرمزية . ولكن الأمل شيء ملموس كشجرة لها أغصان متفرعة وأوراق تهتز على إيقاع نسائم الأيام . جسدٌ يتحرك بخفة الفراش .. يتقد كسراج محاط بظلمات فوق ظلمات . ومن خلال هذه القصة التي ملأت روحي أملا وحياة ستجدون الأمل يطل عليكم مع كل حرف .. قصة لها رائحة الحبق البري المنعش ودفء الشمس في فصل الشتاء : في أحد المستشفيات المعدة للحالات المستعصية كان يرقد رجلان كبيران في السن مصابان بمرض عضال أحدهما كان مسموحاً له بالجلوس في سريره لمدة ساعة يوميا بعد العصر . ولحسن حظه فقد كان سريره بجانب النافذة الوحيدة في الغرفة . أما الآخر فكان عليه أن يبقى مستلقياً على ظهره طوال الوقت كان المريضان يقضيان وقتهما في الكلام،دون أن يرى أحدهما الآخر، لأنهما مستلقيان على ظهريهما يناظران السقف . تحدثا عن الأهل ، وعن بيتيهما ، وعن حياتهما، وعن كل شيء . وفي كل يوم بعد العصر كان الأول يجلس في سريره حسب أوامر الطبيب وينظر من النافذة ويصف لصاحبه العالم الخارجي . وكان الآخر ينتظر هذه الساعة كما ينتظرها الأول لأنها تجعل حياته مفعمة بالحيوية وهو يستمع لوصف صاحبه للحياة في الخارج .. ففي الحديقة بحيرة كبيرة يسبح فيها البط ، والأولاد صنعوا زوارق من مواد مختلفة وأخذوا يلعبون فيها داخل الماء وهناك رجل يؤجِّر المراكب الصغيرة للناس كي يبحرون بها في البحيرة والجميع يتمشى حول حافتها وهناك آخرون جلسوا في ظلال الأشجار أو بجانب الزهور ذات الألوان الجذابة ومنظر السماء بديعاً يسر الناظرين . فيما يقوم الأول بعملية الوصف ينصت الآخر في ذهول لهذا الوصف الدقيق الرائع ثم يغمض عينيه ويبدأ في تصور ذلك المنظر البديع للحياة خارج المستشفى . وفي أحد الأيام وصف له عرضاً عسكريا وبرغم أنه لم يسمع عزف الفرقة الموسيقية إلا أنه كان يراها بعيني عقله من خلال وصف صاحبه لها. ومرت الأيام والأسابيع وكل منهما سعيد بصاحبه وبهذا الأمل الذي يسري في قلبيهما كمركب أبيض . وفي أحد الأيام جاءت الممرضة صباحاً لخدمتهما كعادتها، فوجدت المريض الذي بجانب النافذة قد قضى نحبه خلال الليل ولم يعلم الآخر بوفاته إلا من خلال حديث الممرضة عبر الهاتف وهي تطلب المساعدة لإخراجه من الغرفة فحزن على صاحبه أشد الحزن حتى كاد قلبه يتفطر .. شعر أن لون الحياة سيصبح قاتما بدون رفيقه . وعندما وجد الفرصة مناسبة طلب من الممرضة أن تنقل سريره إلى جانب النافذة ليهدي لصاحبة كل صباح إشراقة وفاء . ولما حانت ساعة بعد العصر وتذكر الحديث الشيق الذي كان يتحفه به صاحبه بكى بشدة لفقده ولكنه قرر أن يحاول الجلوس ليعوض ما فاته في هذه الساعة. وتحامل على نفسه وهو يتألم،ورفع رأسه رويداً رويداً مستعيناً بذراعيه ،ثم اتكأ على أحد مرفقيه وأدار وجهه ببطء شديد تجاه النافذة لينظر العالم الخارجي .. وهنا كانت المفاجأة .لم ير أمامه إلا جداراً أصم من جدران المستشفى،فقد كانت النافذة على ساحة داخلية .!! نادى الممرضة وسألها إن كانت هذه هي النافذة التي كان صاحبه ينظر من خلالها فأجابت إنها هي ! فالغرفة ليس فيها سوى نافذة واحدة . ثم سألته عن سبب تعجبه، فقص عليها ما كان يرى صاحبه عبر النافذة وما كان يصفه له. كان تعجب الممرضة أكبر،إذ قالت له: ولكن المتوفى كان أعمى ، ولم يكن يرى حتى هذا الجدار الأصم، ولعله أراد أن يجعل حياتك سعيدة حتى لا تُصاب باليأس فتتمنى الموت . انتهت القصة وربما أن المريض الآخر قد مات ولكن الأمل ظل ينمو كنبتة لبلاب .. ليس صعبا أن تخلق الأمل حتى لو كان بداخلك كهف مظلم . [email protected]