الصحافة هي مدرسة الأخلاق.. وأنا لا أقرر نظرية جديدة إذا قلت هذا.. فالصحافة مهذبة النفس القائمة على الشعوب لتعليمها وترقية مداركها بما يجب أن تقدم لها كل يوم من بحوث شاملة لجميع نواحي الحياة في أكرم لفظ وأقوم تصبير. فالرجل الذي ينال شرف الانتساب إليها والاشتغال بها يجب أن يكون له من نتاج قلمه خير مثل يقدمه لمن يقرأه وأن يكون له من خُلقه أحسن قدوة لمن يطالعه.. فالصحافة في المملكة العربية السعودية ليس كغيرها.. لا تعرف في لغتها إلا الترفع في القول والأدب في التعبير والاحترام لحرية الأفراد والجماعات والتباعد من المطاعن في الأخلاق وبهذا تمكنت أن تصل إلى غرضها الذي وُجدت له.. فتؤدي مهمتها السامية بدون عبث أو خروج. ولم تتجاوز الصحافة في بلادنا أو خرجت عن اعتدالها أو جاوزت مهمتها وهذا عائد إلى أن المنتسبين للصحافة في بلادنا عادة يحرصون على عدم النزول من قدرها وألاَّ تحط من شرف رسالتها.. ولقد زادتها المبادئ الإسلامية ألا تسترسل في غيها وأن لا تتجاوز مهمتها بما تقضي به مهمتها ولا تتجاوز لكل حد في تعبيراتها ليصبح الأمر بعد ذلك فوضى، وحتى لا يُظن أن الشذوذ هو القاعدة وأن الطعن مهما يكن جارحاً فهو جائز.. وألا يصح للكاتب أن ينال من شرف الناس ومن سمعتهم تحت ستار أنه نقد مباح.. على أن هذه الأمور على ندرتها قد وضعت شرائط للنقد، يفهمها الكتاب في الصحافة ويبتعدون عن الإساءة والاستشهاد بها. ولئن كان من أهم أسباب عدم نزول صحافتنا عن مستواها الذي يجب أن تكون فيه دخول عناصر فيها تقدر الأدب قدره وتعرف للصحافة حقيقة مهمتها، وطالما عللنا النفس ليقوم المثقفون من رجالها بتقويم كل اعوجاج لدى بعض كتابها فتم اصلاح ما قد يُفسد من شأنها والنهوض بها من كبوتها، وكانوا عند حسن الظن بهم.. إذ سرت إليهم عدوى الأولين المثقفين من الأدباء فإذا هم والألون سواء والحمد لله. فالكل لديه يقين راسخ بأن حرية الصحافة أو بعبارة أخرى أن حرية النقد ليست هي حرية أخذ الناس في شرفهم وفي كرامتهم بل يجب أن تكون مشبعة بروح العدالة لا لغرض الامتهان.. والمنتسبون للصحافة يعرفون أن التجريم له أثر بالغ وغوره بعيد.. وهذا الأثر يتعدى إلى الكثيرين ولن يستوي من يعرف النظام بتفصيله ومن له من علمه وتربيته ما يرشده إلى حقائق الأشياء لن يستوي هذا مع من هو جاهل بها. فإذا وضع الصحفي أو الكاتب نفسه على قدر علمه ووضح غرضه، فإنه سيقوم بالاصلاح الذي يرتجيه فلا يوجد بعد ذلك ضحايا ولا يوجد متهمون فإن المطمئن من المسؤولين والقائمين بينهم يفزعون إلى عدالة وموضوعية النقد، وهم يرجون بعدها أن تأخذ الصحافة مكانها الصحيح.. مكان المرشد الأمين عف اللسان لا سلاحا للتشهير. عندئذ تصبح الصحافة في مملكتنا الحبيبة للخير.. وللخير وحده، وعلينا أن نُبيح للرأي الآخر أن يتكلم فحرية الرأي والحمد لله في بلادنا مكفولة شرط أن يكون ضمير الكلمة في مصلحة الشعب والوطن. ولنتأكد أن الحرية في الرأي ستعيش وتكبر في خدمة هذا البلد. وأن الله مع الجميع. مكة المكرمة