لم تتجاوز عيادات الاطباء بجدة قبل نحو نصف قرن عدد اصابع اليد أو اليدين مع ان عبدالله فيلبي الذي عاصر تأسيس المملكة ذكر في كتابه القديم ان مهنة الطب في السعوديه تدر ذهباً. وقد اشتهرت برحة باب مكة بعيادات الاطباء كما اشتهر هارلي ستريت في لندن فكانت بقلب البرحة عيادة الدكتور سعيد شاهين وتحتها صيدلية السقاف وبجوارها عيادة الجراح شيخ العيدروس والى الغرب منها عيادة الدكتور عبدالقادر الترك وقد سافر مرة في اجازة فتقمص التمورجي وهو من معارفنا دور الدكتور فعاد الدكتور وعاقبه عقاباً كاد أن يقضي عليه، وفي غرب البرحة أيضاً عيادة الدكتور ناجي عبدالرزاق وفي جنوبها حيث محلات بيع العسل حالياً عيادة الدكتور محمد البحراوي وهو اول طبيب عيون سعودي وبمواجهته عيادة الدكتور عارف قياسه وهو الطبيب الذي اجرى لي عملية الختان وانا في السادسة بعد ان استدرجني اليه الوالد يرحمه الله بخدعة محكمة انتهت باستكمالي مع اخي شروط الفطرة الا ان الدكتور عارف استخدم لأخي بنج الكمامة واعطاني حقنة بنج كادت ان تقضي علي لولا لطف الله. وبشارع الملك عبدالعزيز عيادات الجلدية للدكاترة صافي جفري والصيرفي كما افتتح بعدهما الدكتور المناع ولفترة قصيرة عيادة لطب الاسنان هي الاولى من نوعها وقد اخذني والدي اليه ولا زلت اذكر وصف المناع لحالتي بالامبوسيبل فتحولت بعده لطبيبة اسنان ألمانية بعمارة الفيصلية حيث مركز الكورنيش الآن. ثم جاء عدد من الاطباء السعوديين اذكر منهم الدكتور عبدالله المزروع والدكتور محمد اسعد وعدداً من الاطباء الباكستانيين وكان مسموحاً للاطباء تلك الايام بالعمل الحكومي في الصباح وفتح عيادة بالمساء وكانت لوالدي علاقة طيبة ببعضهم حتى انه لما صدم احد الاقارب بدراجته عابر سبيل بطريق الخطأ وقدمت شكوى استدعت اشعة بمستشفى باب شريف قال الطبيب للوالد وكان صديقه (الاشعة فيها شرخ بسيط بس علشان السيد ماهو باين) وانتهت المشكلة بعلاج المشتكي ومصالحته ببعض الدراهم والدراهم مراهم. اما صيدليات ذلك الزمن فلم تعرف الصيدلي القانوني ولكن ادويتها كانت اصلية وكان بإمكان اي شخص يعرف الحرف الانجليزي أن يقوم بدور الصيدلي مع اضافة ضرب الابر كدخل شخصي اضافي ولهذا احتكر الاندونيسيون من ذوي الاصول العربية عمل تلك الصيدليات ولم نكن نسمع ايامها بالسائق الاندونيسي ولا بالخادمة الجاوية، ومع ماقدمه أطباء الماضي من خدمات جليلة إلا أنه كان يعيب بعضهم كتابة الروشتات الطويله لارضاء اصحاب الصيدليات. اما اشهر الادوية المستخدمة فكانت ثلاثة وهي الانترفيفورم لامراض البطن ومنقوع الكالمين لآلام الرأس والنوفالجين للسخونة وكلها منعت الآن لثبوت ضررها الشديد على الصحة. لقد ذكر الدكتور عبدالله مناع في كتاب ذكرياته بعض من عاصرهم من الاطباء لكنني اتمنى ان يكتب بأسلوبه الجميل كتاباً كاملاً عن الطب والأطباء.