الوفاء صفة جميلة لا يتملكها إلا أصحاب النفوس الكبيرة التي جبلت على هذه الصفة وتوارثتها واكتسبتها كابراً عن كابر وهي ثقافة راقية مستمدة من تعاليم شريعتنا السمحاء فقد وردت في القرآن الكريم بصيغة الأمر وهي صفة من صفات المؤمنين كما جاء في قول الحق سبحانه وتعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)) ومن صور الوفاء، وفاء الزوج لزوجته والزوجة لزوجها والصديق لصديقه والقريب لقريبه، ومن أروع الصور وفاء الإنسان لوطنه ومجتمعه وأسرته. لقد رأيت معاني الوفاء تتجسد في عزاء فقيد الوطن والصحافة والأدب الأستاذ الراحل محمد صادق دياب تغمده الله بواسع رحمته وألهم اهله وذويه الصبر والسلوان، رأيت دموعاً تسكب ووجوهاً ملأتها ملامح الحزن والأسى،رأيت بعض أصدقائه في صف العزاء يتقبلونه فيه، ومن اكبر صور الوفاء التي رأيتها في عزائه صورة معبرة قد لا تحدث إلا في هذا الوطن المعطاء المقدس متمثلة في عزاء القيادة الرشيدة لأفراد أسرة الفقيد وأصدقائه تتمثل في حضور صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز ليقوم بواجب العزاء في فقيد الوطن الراحل لأن محمد صادق دياب لم يكن فقيداً لأسرته ومدينته بل كان فقيد هذا الوطن وقيادته ومواطنيه، كنت وانا أقف في صفوف المعزين اسمع عن مناقب الفقيد ما لم اسمعه من قبل. وقد روى لي احد المستخدمين في إحدى مؤسساتنا الصحافية كيف ان هذا الرجل يقف معه في عسره كان يتصل به في آخر كل شهر ويطلب منه فتح شنطة مركبته فيقوم في خفية عن أعين الناس ويضع بداخلها بعض الارزاق والفواكه والخضروات بعيداً عن السمعة والرياء كما كان يقوم بإعانته في بداية كل عام دراسي فيوفر لأبنائه مستلزمات الأدوات المكتبية وفي العيد يقوم بتوجيهه مع أبنائه الى احد الخياطين لتفصيل كسوة العيد ويقوم بمنحه مبلغاً من المال لزوم كسوة الزوجة والبنات وهذا الأمر يذكر للمرة الأولى عن هذا الإنسان الوفي الذي لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ولا أزكيه على الله ومن وفائه لكبار أدبائنا انه كان يقوم بين الفينة والأخرى بزيارة ودية لبعضهم وكان يداعبهم ويشاكسهم أحياناً وكما ذكر في بعض مقالاته لزمة أدبية كان يطلقها أديبنا الراحل الكبير أحمد قنديل الذي كان يقول له كلما شاغبه:(يا واد استقي رايق) وهي عبارة جداوية للنهر عن الشقاوية، ومن وفائه لأصدقائه تلك الدورية الفلاحية التي كانت تقام أسبوعيا مع زملائه في الدراسة بمدارس الفلاح كالكاتب يعقوب اسحق وسامي خميس و راكان حبيب والعكبري والدكتور عبد الله مناع وكان رحمه الله هو ملح هذه الدورية بقفشاته المحببة للنفوس. لقد كان ابن حينا (حارة البحر) من أوفى الأوفياء وأصفى الأصفياء لأقاربه وأصدقائه وأساتذته، لأنه كان يؤمن بالمثل الجداوي الشعبي (من علمني حرفاً صرت له عبداً) وأنا اكرر هذا المثل لأنني تشرفت بالتتلمذ على يديه وتشربت كل أخلاقيات الحارة وأبنائها.فالموت حقٌ ولكن الفراق صعب وخصوصاً اذا كان فراقاً لشخص في وزن محمد صادق دياب. ** وقفة فعن النبي صلى الله عليه وسلم، انه قال: (إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريل، إن الله تعالى يحب فلاناً، فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. [email protected]