خيار السلام هو خيار العقلاء الذين يعرفون نتائج الحروب وما تخلفه من دمار وكوارث، والعقلاء وحدهم هم الذين يدركون مدى اهمية تجنب الحروب والصراعات الدموية من أجل حقن الدماء، دماء الأبرياء الذين تأخذهم جريرة المعارك بلا ذنب اقترفوه، فليست العساكر والجيوش وحدها وقود نيران الحروب، بل تتعداهم إلى غيرهم وتطال كل من تواجهه حتى الشجر والحجر ليس بمنأى عن ويلاتها. قلنا العقلاء ولم نقل المغامرين والعنتريين الذين يتهمون كل من تحدث عن خيار السلام بالجبن والانهزامية، وحكمهم في هذا الشأن أشبه بذلك النفر الذي يسير على نهج ولا تقربوا الصلاة.. من غير أن يكملوا بقية الآية، فأغفلوا عقولهم وصادروا الرأي واحتكروا الحقيقة. الصراع العربي الإسرائيلي هو من أعقد الصراعات التي شهدها القرنان الماضيان حتى هذه اللحظة، والكلام الذي أوردناه في بداية حديثنا له علاقة مباشرة بهذا الموضوع الدامي، والقيادات العربية العاقلة التي تدير هذا الصراع لم تكن في يوم من الأيام متعطشة لسفك الدماء، ولا من زمرة العناترة، ولكن حين فرض عليها القتال قاتلت وقدمت الشهداء وضحت بالغالي والنفيس لصد العدوان والدفاع عن الأرض والعرض والنفس. الرئيس أنور السادات حاول كل جهده لاستعادة سيناء، الرئيس عرفات قاتل قوات الاحتلال الإسرائيلي في حرب عصابات شرسة، وقدم عشرات الآلاف من الشهداء، شهداء الثورة الفلسطينية، ولم يكن أمامه سوى هذا الأسلوب الثوري من القتال. ولما وجد أمامه بصيصاً من أمل باستعادة الضفة وغزة بالخيار السلمي، اضطر غير باغ أن يضع يده في يد اسحق رابين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، ووقع معه اتفاق سلام في البيت الأبيض، بحضور الرئيس الأمريكي السابق كلينتون. الرئيس الحالي أبو مازن واصل مسيرة سلفه الراحل ياسر عرفات رحمه الله، واقتنع أن خيار السلام هو خيار استراتيجي، وهو مستمر في هذا الطريق رغم وعورته وصعوبة مسالكه، وهو مدرك تمام الادراك لمعاناة الشعب الفلسطيني تحت نير الاحتلال، ويواجه انقلاب حماس الذي اضعف الحالة الفلسطينية، وصب في مصلحة إسرائيل، ومع هذا كله ما زالت المفاوضات الشاقة مستمرة على القضايا الشائكة، قضايا الوضع النهائي الذي من المفروض في حالة التوصل إلى اتفاق نهائي بشأنها أن يتم توقيع معاهدة صلح وسلام تاريخية مع إسرائيل. مرة أخرى نتمنى للعقلاء من الجانبين التوفيق لتحقيق السلام، سلام عادل ضمن مبادئ الشرعية الدولية التي تعيد الحقوق لأصحابها الشرعيين، وذلك من أجل تجنب المنطقة كارثة فظيعة ستدفع كل الأطراف ثمنها الباهظ. فإذا كانت القيادة الإسرائيلية الحالية جادة في صنع السلام فعليها ألا تلتف الى المتشددين من بني قومه، الذين امتلأت قلوبهم بحقد التعصب التوراتي المزيف الذي ما أنزل به من سلطان، والذين يحاولون الاطاحة به لاجهاض عملية السلام قبل نضجها. فهل نتعظ من دروس الماضي البغيض. مدير عام وزارة التخطيط / متقاعد فاكس 6658397