ردا على سؤالي المشنوق أعلاه دعوني أصرخ بعلو صوتي كجريح دهس الألم جرحه لأقول : لن ننساهم. لأننا كلما التفتنا وتأملنا وجدناهم يحيطون بنا كالسوار في المعصم .. في كل بيت ، وفي وسط القلوب مسكنهم . والذين رحلوا عن عالمنا وتركوا لنا التمسك بهذه الحياة الضالة المضلة لهم صور تنوح وتشتكي التنكر ككوابيس الضمائر السوداء . المتقاعدون : بداية التأسيس في زمن شغف العيش والكدح المرير ، الأمس الذي أضاء لنا نور المستقبل ، والأيدي التي نحتت لنا طريق العبور نحو ما نحن عليه اليوم . يا حيف والله .. كيف استطعنا تجاوزهم والنظر لهم بنصف عين وكأنهم مجرد متطفلين يقفون على أرصفة الحياة يمدون أيديهم ويطلبون لقمة عيش تعينهم على الموت . يا حيف !! بعد الطفرة التي لم تلحق بهم وانغمسنا بها نقفز من فوق ما تبقى لهم من أيام وكأننا نقول لهم يكفي اذهبوا وموتوا بعيدا في زواياكم المظلمة . يبدو أن هناك من يستكثر عليهم الراحة وأن يعيشوا ما تبقى لهم في هذه الحياة وهم يشعرون بإنسانيتهم وكرامتهم . المتقاعد في بلاد غروب الشمس يقضي أيامه بعد تعب العطاء والبذل في استرجاع هواياته التي لم يستطع اللقاء بها .. يعود لصباه وعنفوان شبابه يركض خلف فراشات الذكريات يرسم لها ورودا وينثر على أجنحتها من رحيق الوقت أبهاه. هناك يشارك المتقاعد في كل الفعاليات والمناسبات كعنصر فاعل وشاهد على التطور الذي غرس بذوره ويجنيه أبناؤه . مخجل هذا الاستحياء الذي يحركنا نحو فئة لن نوفيهم حقهم ، ومؤلم ذلك الحزن المرسوم على وجه أبي وأبيك وهم ينعون أحلامهم بجمعيات ترعاهم وتقدمهم للمجتمع على أنهم خيط الوصل بين الأمس واليوم ، فهم لا يحتاجون للشفقة ولا للوقوف على عتبات الشؤون الاجتماعية لأن لهم حقاً علينا في ظل تزايد قسوة الحياة وارتفاع سعر كل شيء باستثناء قيمتنا كبشر في نظر تجار الظلام. دعوني اذكر ختاما بأمر ربما يغفل عنه أصحاب القرار الذي يحملون في أعناقهم أمانة سيسألون عنها يوما .. لا تنسوا أن الكثير من المتقاعدين ما زالوا يعولون أسرا تحلم بحياة ومستقبل يكفل لهم الحد الأدنى من العيش الكريم .. فتجاهلهم يعني وأد الكثير من الأحلام وهدر الطاقات التي ربما تكون لبلدها شيئا .