رشا منهمكة هذه الأيام بترتيبات حفل زفاف أنطونيو وأنطوانيتا، ومن ثمَّ برنامج سفرهما إلى اليابان لقضاء شهر العسل. اغتنمت مناسبة التخفيضات السنويَّة وتصل إلى نحو 50% لمعظم السلع المعروضة، فرتَّبت مع مخازن "الكورت انجليز" قائمة الهدايا التي يرغب العروسان الحصول عليها من أصدقائهم، وتتراوح قيمة الهديَّة ما بين الخمسين يورو والألفين، وتتوزَّع ما بين أدوات المائدة والمطبخ والحمَّامات والأجهزة الكهربائيَّة. أعطت أصدقاء العروسين ومعارفهما نسخة من القائمة، ونصحت المقرَّبين منها ممَّن تأثَّروا بالأزمة الاقتصاديَّة سرعة حجز هداياهم معتدلة الثمن، لأنَّه كلَّما تأخَّر الحجز، تقلَّصت القائمة لتُبقي على القطع مرتفعة الثمن. وبسؤالي عن هديَّتها، أجابت بأنَّها تذاكر سفرهما إلى اليابان وقيمتها مقدَّمة منها ومن والديها. ولغرض الحجز إلى طوكيو، سألتني عن أنسب الأوقات وأكثرها متعة، فاخترت للعروسين موسم "الساكورا" الذي يقترن قدومه بحلول فصل الربيع. فسألت عن "الساكورا"؟ أجبت بأنَّها براعم ثمار الكرز عند تفتُّحها، وتكتسب اللون الورديَّ المائل إلى البياض الذي نشاهده كثيرًا في نقوش اللباس الياباني التقليدي، وفي العديد من الأواني والهدايا التذكاريَّة. يبدأ موسمها من الجنوب حيث جزيرة كيوشو، وينتقل شمالاً حتَّى جزيرة هوكايدو، ولا تعمِّر لأكثر من أسبوعين. ولذا، يغتنم اليابانيُّون موسمها القصير لتمضية الساعات الطوال من النهار حتَّى وقت متأخِّر من الليل في الحدائق العامَّة تحت أشجار الكرز بصحبة أفراد الأسرة والأصدقاء، يتناولون مجتمعين طعامهم وشرابهم، ويؤدِّي بعضهم الرقصات الشعبيَّة مع ترديد الأغاني الشعبيَّة، ومنها أغنية مطلعها "ساكورا ساكورا". ولذا قد يكون موسم الساكورا الأكثر ملائمة لما يعطيهما من فرصة المشاركة بهذه الاحتفالات في الحدائق العامَّة التي يتحرَّر اليابانيون طوال أيَّامها من هموم الحياة، ويبذلون ما في وسعهم لإشاعة الفرح والمحبَّة حولهم وفيما بينهم. واقترحت للزيارة الأسبوع الأخير من شهر مارس والأسبوع الأوَّل من شهر أبريل، فهما موسم الساكورا في طوكيو. أغمضت رشا عينيها لثوانٍ قليلة، ووضعت يدها اليمنى فوق جبينها (وهي عادتها عندما تستعيد ما في ذاكرتها من معلومات.) وحدَّقت في عينيَّ مستفسرة عمَّا إذا كانت هذه الساكورا هي التي أهدت اليابان منها 3000 شجرة للولايات المتَّحدة الأمريكيَّة رمزًا لصداقة الشعبين، غُرست على ضفاف ساحل الحوض المدجزري في واشنطن، فكانت معلمًا سياحيًّا مميَّزًا يجذب الزوَّار لا سيَّما عندما تتفتح أزهارها بشكل كامل مع بداية فصل الربيع، فأجبت بنعم، هي ذاتها. كان ذلك عام 1912، أي قبل أن تُضْرَبْ هيروشيما وناغازاكي بالقنابل الذريَّة، وقد أضيفت إليها 3800 شجرة في عام 1956، بعد استسلام اليابان وتصميمها على تجاوز الكارثة من أجل إعادة البناء ليابان أكثر قوَّة وقبولاً ممَّا كان عليه قبل الهزيمة. ذكرت رشا أنَّ الصديق الياباني سيحجز للعروسين في أوكراهوتيل، فأثنيتُ على حُسن اختياره لا سيِّما أنَّ مدخل الفندق يُقابل مدخل سفارة أسبانيا، وعلى مقربة من سفارة المملكة، ولا يبعد إلاَّ دقائق عن القصر الإمبراطوري، إضافة إلى ذلك فالشوارع الرئيسة والفرعيَّة هناك تحفُّ بها أشجار الكرز، وعندما تتفتَّح أزهار الساكورا، تأخذ المنطقة طبيعة ساحرة في النهار والليل. ويشتهر الفندق بمطاعمه العديدة، ومطعم التابينياكي خاصَّة الذي يقدِّم تشكيلة من مشويات الأسماك والخضروات واللحوم، وأميزها وأغلاها شرائح كوبي بيف الشهير بجمعه بين النكهة الفريدة وعدم التشبُّع بالدهون، وذلك لطبيعة تربية هذا النوع من الأبقار في اليابان. هذا المطعم كان المفضَّل لدى الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، الذين كان يقصده كلَّما تواجد في طوكيو بزيارات رسميَّة أو لمشاهدة مباريات المصارعة المعروفة ب "السومو" لتشجيع أبطال فريقه المميَّز. وتحظى رياضة السومو بشعبيِّة واسعة، وتُعدُّ من التقاليد التراثيَّة التي يحرص اليابانيُّون على المحافظة. وأقترح أن يضعها العروسان ضمن برنامجهما إذا تزامن وقت دورتها في طوكيو مع وقت زيارتهما. ومسرح "الكابوكي" في مركز المدينة ليس بعيدًا، ويقدِّم عروض الرقص الياباني بالحركات والموسيقى لقصص تراثيَّة. دوَّنت رشا ما دار بيننا من حديث لتتابع الترتيبات مع الصديق الياباني. والعاقبة عندكم بالمسرَّات، وصادف وهي تنهي تدوين ملاحظاتها أن سمعت بالتسانومي المصحوب بهزات أرضية الذي ضرب اليابان يوم الجمعة فرفعت سماعة الهاتف وتحدثت مع الصديق الياباني لتطمئن عن سلامته هو وأسرته، ولتعبر له عن ألمها وحزنها لما خلفته هذه الكارثة من ضحايا وأضرار. مدريد