حمداً لك يارب أن أنعمت على عبادك الحجاج بآداء المناسك و تفضلك يامولاي عليهم بالمغفرة والمثوبة حتى رجعوا كيوم ولدتهم أمهاتهم فرحين مستبشرين بما آتيتهم من فيض كرمك و سعة مغفرتك و صفحك عما اقترفوا من الذنوب و الآثام . عادوا يامولاي و قد اشرأبت نفوسهم بحلاوة الإيمان الحقيقي الذي غمر نفوسهم و هذب سلوكهم . و ليس أبلغ من الشعراء في ترجمه هذه المشاعر الفياضة فيقول الإمام الفقيه ابن القيم بعد أن فاضت مشاعره فلم يستطع أن يكبح جماح القريحة أنشد يقول وهو يرتدي ملابس إحرامه: ما والذي حج المحبون بيته ولبُّوا له عند المهلَّ وأحرموا وقد كشفوا تلك الرؤوس تواضعاً لِعِزَّةِ من تعنو الوجوه وتُسلمُ يُهلُّون بالبيداء لبيك ربَّنا لك الملك والحمد الذي أنت تعلمُ دعاهم فلبَّوه رضاً ومحبةً فلما دَعَوه كان أقرب منهم تراهم على الأنضاد شُعثاً رؤوسهم وغُبراً وهم فيها أسرُّ وأنعم وقد فارقوا الأوطان والأهل رغبة ولم يُثْنهم لذَّاتهم والتنعُّم يسيرون من أقطارها وفجاجِها رجالاً وركباناً ولله أسلموا ولما رأتْ أبصارُهم بيته الذي قلوبُ الورى شوقاً إليه تضرَّمُ كأنهم لم يَنْصَبوا قطُّ قبله لأنّ شقاهم قد تَرَحَّلَ عنهمُ فلله كم من عبرةٍ مهراقةٍ وأخرى على آثارها لا تقدمُ أما أمير الشعراء أحمد شوقي فقد بهره سعة رحمة ربه بعد أن ترددت في أسماعه بشرى الإله (افيضوا عبادي مغفوراً لكم) أنشد باكياً مؤملاً و هو يتمسك بحبل الرجاء : فياربِ هل تكفي عن العبد حجة و في العمر مافيه من الهفواتِ أما الشاعر الدكتور عبدالمعطي الدالاتي فيقول: كم قلت ما مِن فصامٍ أو نوى بين الفؤاد وجسمهِ.. يا إخوتي ! وإذا بجسمي في هجير بعادهِ وإذا بروحي في ظلال الروضة ِ! قلبي..وأعلم أنه في رحلكمْ كصُواع يوسفََ في رحال الإخوةِ قلبي ..ويُحرمُ بالسجود ملبياً لبيكَ ربي .. يا مجيبَ الدعوةِ قلبي.. ويسعى بين مروة والصفا ويطوفُ سبعاً في مدار الكعبةِ قلبي ارتوى من زمزمٍ بعد النوى وأتى إلى عرفات أرضِ التوبةِ هو مذنبٌ متنصِّل من ذنبه هو محرمٌ يرنو لباب الرحمةِ قلبي .. و يهفو للمدينة طائراً للمسجد النبوي عند الروضة ولما وقف الشاعر ابن الأمير الصنعاني أمام الجمرات و رأى ألوف الحجيج و هم يرمون الجمرات بحصيهم و كأنما أراد أن ينتصر لنفسه من مكائد الشيطان و وساوسه و غوايته و هفواته فكانت هذه الحصى هي السد المنيع بين بني البشر و بين غوايته لآدم و ذريته فأنشد يقول في قصيدته خزي إبليس اللعين: فإبليس مغموم لكثرة ما يرى من العتق محقوراً ذليلاً دحرناه على رأسه يحثو التراب مناديا بأعوانه : ويلاه ذا اليوم ويلاه وأظهر من حسرة وندامة وكل بناء قد بناه هدمناه تركناه يبكي بعدما كان ضاحكاً فكم مذنب من كفه قد سللناه وكم أمل نلناه يوم وقوفنا وكم من أسير للمعاصي فككناه وكم قد رفعنا للإله مطالبا ولا أحد ممن نحب نسيناه و في هذا الموقف المثير لم ينسى الشاعر بر والديه فاستطرد يقول : وخصصت الآباء والأهل بالدعا وكم صاحب دان وناء ذكرناه نسأل الله العظيم أن يتقبل طاعة ضيوفه و أن يغدق عليهم من كرمه اللامتناهي عفواً و مغفرة و رضواناً فهنيئاً لكم حجاج بيت الله حجكم وزيارتكم وتقبل الله طاعتكم و أعادتكم إلى دياركم وآهاليكم سالمين غانمين وقفة: قال صلى الله عليه وسلم ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام