لقد بلغت النسب المئوية للبدانة في مجتمعنا حدوداً لا سابق عهد لنا بها، ولا ندري ما ستقذفه لنا الأيام القادمة من مفاجآت صحية وطبية وحياتية وغيرها، وكيف سيصير شكلنا بعد بضع سنين ؟ لقد ازداد العرض كثيراً، والطول كما يقولون يزداد، ولكن نسبة زيادته محدودة، فالدهون تميل للامتداد الأفقي كما يقول صديقي الطبيب ، إنها تحاول افتراش الأرض، وبالنهاية تقعد صاحبها ليفترش الأرض أيضاً معها! كلها مصائب كما يقولون، وسببها معروف وهنا الطامة الكبرى، أكل والتهام لأنواع الأطعمة، وكلها مصائب أتتنا من خلف البحار بأنواع الكولسترول والشحوم الثلاثية، وربما الرباعية وأمراض تتبعها من ضغط وسكري وقلب وشرايين، ووجبات سريعة حفظها الأبناء كما يحفظون دروسهم وأكثر! وأكثر من ذلك صارت تلك الوجبات وأمثالها ومثيلاتها ترافقنا إلى المكاتب، فلقد تحول بعض المكاتب إلى مطاعم منتشرة هنا وهناك، وكل موظف ينشر ما لديه من طعام، وإذا لم يكن معه أرسل من يجلبه له، والأكل أكل، والبطون تمتلئ حتى الحلقوم، والعقول ربما تغلق، والمراجعون لا يعرفون لماذا صارت معاملاتهم تسير ببطء السلحفاة ؟ ولم يعلموا أن بعض الكروش جعلت أصحابها سلاحف للقرن الحادي والعشرين! هناك دراسة تحذر من تناول الطعام في المكتب، وربما يكون معهم حق في ذلك ليس من ناحية الإضرار بالغير، بل على الأقل حفاظاً على نفسك من مصائب الكولسترول والشحوم والبدانة. هل ننتظر حتى يسمع كلنا بالدراسات ، أما أن المكاتب لا تتحمل كروشاً فوق ما لديها من أكداس الملفات، قضية بانتظار فتح الملف ! كل ذلك سببه البعد عن آداب الطعام من التسمية في البدء والحمد له على النعمة في الختام، والأكل والشرب باليمين، وهو جالس، والأكل مما يلي الإنسان، وألا يعيب طعاماً إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه، وألا يأكل مُتَكئاً، وأن يتنفّس خارج الإناء عند الشرب، وأن يّشرب ثلاثاً، وألا يسرع في الأكل، وأن يكتفي بلقُيمات، وأن يترك مكاناً في معدته للماء والهواء، والنظام لابدّ منه فيأكل مرتين أو ثلاثاً بعيداً عن المكاتب، فالمكاتب للعمل، لا لطعام والشراب واللهو. [email protected]