قبل أن توجد الطرق السريعة كانت الطرق تمر عبر المدن والقرى. وعندما كنا نمر بالسيارة عبر قرية كانت الكلاب تتبعنا وهي تنبح. ولم أجد أحداً يتوقف لنباحها، أو يجمع الأحجار لقذفها، أو يشغل نفسه في عراكها. فمن عادتها أنها لا ترى شيئاً يجري إلا وتبعته تريده أن يتوقف، لكن جريها لا يستمر بعد أن ترى إهماله لها، فتعود من حيث أتت. في تلك الفترة كنا ندرك معنى المثل البليغ: الكلاب تنبح والقافلة تسير. والأمثال لا تُضرب للحالة التي قيلت فيها فقط. وهذا المثل يضرب للسير في مناحي الحياة، حيث علينا أن نمضي قدماً ولا نلتفت لكل ناعق يريد أن يعرقل مسيرتنا ويرجعنا إلى الوراء. وليتنا في كل أمورنا نتذكر هذا المثل فلا نأبه لمن يريد أن يستوقفنا هنا أو هناك. ولقد شُغلنا في السنوات الأخيرة بعدد من الموتورين، يطلبون الشهرة من آياتهم الشيطانية أو رسومهم المسيئة أو أفلامهم القبيحة أو محاولاتهم لحرق القرآن الكريم أو تهجمهم على الطاهرات العفيفات المبرآت في التنزيل الحكيم. ويجند كل منا نفسه للرد عليهم، دون أن ندري أننا نسوقهم إلى الشهرة. ومنذ القدم كان الشاعر المغمور إذا أراد شهرة يهجو جريراً الشاعر، فيهجوه جرير بقصيدة تجعله معروفاً بين الناس. أما الإمام الشافعي فكان رأيه مغايراً حيث قال: إذا نطق السفيه فلا تجبْهفخير من إجابته السكوت فإن أجبته فرّجت عنه وإن تركته كمداً يموت وموقف الإمام الشافعي ينسجم مع الأمر القرآني: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ). نعم الإعراض عنهم هو الرد، فإهمالهم يعيدهم إلى حجمهم الحقيقي. ومن أراد أن يرد فليقم بأعمال إيجابية، فإن أنتجوا فيلماً فلننتج غيره، وهكذا. وقد كتب شخص في أحد المنتديات أن مؤسسته أخرجت أنشودة للأطفال في مدح أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، دون أن تذكر من أساء إليها. وهي قد قيل لها: فلان يقول إنك لست له بأم! فقالت: صدق، فأنا أم المؤمنين. وبدلاً من إشغال الأمة كلها بالرد يمكن الاستفادة من قوانين البلاد التي يعيش فيها الموتورون. فهناك تستطيع أن تأخذ أي شخص إلى المحكمة إذا أساء إليك، كما تستطيع أن تحاكم من أساء إلى أمة بأكملها. وسمعت من شخص يعمل في مؤسسة عربية مقرها لندن، أن إحدى الصحف صنّفت مؤسسته بأنها تمول الإرهاب، فاتصل محامي المؤسسة بالصحيفة وأنذرها بأنه يعد مذكرة قضائية ضدها، فما كان منها إلا أن نشرت اعتذاراً للمؤسسة بحجة أنه خطأ وقعت فيه. وهكذا يستطيع المسلمون في تلك البلاد أن يتقدموا بمذكرات قضائية ضد كل من يتجرأ علينا، سواء في مناهج المدارس، أو على شاشات التلفاز، أو في أي وسيلة أخرى. فينشغل بالموضوع بضعة أشخاص وليس الأمة كلها. كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز [email protected]