** عندما كنت قبل أسابيع فوق مقاعد الانتظار بأحد المستشفيات الأهلية في جدة ، التفت نحوي أحد الجالسين، وابتدرني قائلا: "يبدو أنه لا فائدة - مع وزارة الصحة؟".. وكانت تلك بداية دردشة سريعة لي مع ذلك الرجل، الذي كانت تبدو عليه علامات الضيق من تدهور الخدمة الصحية التي تقدمها الوزارة لنا نحن كمواطنين، عندما أضاف لي قائلا: "أظن أن وزارة الصحة قد وصلت إلى أن تجعلنا نتعايش مع خدماتها الزهيدة كأمر واقع". ** والحقيقة أن الوزارة فعلاً قد جعلتنا نتعالج على "حسابنا" كلما توعك أحدنا في أية ساعة من ليل أو نهار، وأن يواصل المواطن دفع "الشيء الفلاني" للمستشفيات والمستوصفات الأهلية التي تكاثرت ك"الفطر" بحيث انتبه المستثمرون لهذه الثغرة الكبيرة، وصاروا يتوسعون في اقامة المصحات الأهلية كما ترى عيوننا. ** وسأكون صادقاً لو قلت إنني قد "زهقت" من الكتابة في هذا الموضوع "القديم /الجديد" والذي يمثل في حقيقة الأمر "مرضا مزمنا" تعاني منه وزارة الصحة منذ سنوات طويلة، وأظن أن الوزارة في هذه الناحية تحديداً قد أصيبت أيضا ب"مناعة ذاتية" فلم تعد - فيما يبدو - تكترث بكثرة الكتابات حول هذا الأمر، ولا بزيادة عدد المنتقدين لها من جراء هذا التقصير المخجل منها في تأمين مصحات توازي عدد الناس الذين يطلبون ويحتاجون العلاج الحكومي، مع أن هذا حق شرعي ضمنه النظام الأساسي للحكم، في أن تقوم الدولة بتقديم خدمة العلاج المجاني للمواطنين، تماماً كما هو الحال في حصول كل مواطن الآن على خدمة التعليم المجاني. ** أنا لا أفهم حتى هذه اللحظة أن يظل أحدنا -نحن كمواطنين- كلما اصيب أحد أفراد أسرته بعارض صحي مفاجئ يظل "يدور حول نفسه" لا يدري ماذا يفعل؟.. فالمراكز الصحية قليلة العدد جدا، ومراجعوها بالمئات، والكشف والعلاج فيها بذات الإمكانيات والأساليب التي كان عليها الحال أيام أجدادنا، وأقسام الطوارئ بالمستشفيات (قليلة العدد أيضا) هي أقسام (محشية) بعدد مهول من المصابين الذين اذا وقفت بينهم وجدت نفسك تائهاً لا تدري من هو الذي تتحدث معه، خصوصاً عندما ترى الطبيب موزع الفكر بين عدة حالات حرجة أمامه، فلا تلبث أن تغادر المكان، لسببين الأول شفقة على وزارة الصحة وامكانياتها الضئيلة، وقلة حيلة أطبائها أمام حشود المراجعين والسبب الثاني أنك تريد أن تنقذ مريضك الذي جئت من أجله، ولو كان ذلك على حساب بيع أعز ما تملك من ماديات، زاهدا في الخدمة الضعيفة التي تراها أمامك. ** خلال هذا الأسبوع حدثت في أسرتي حالة صحية (عارضة، ولم تتبادر إلى ذهني فكرة مراجعة المصحات الحكومية، لأن المركز الصحي في حارتنا مغلق، فقد انتهى دوامه، وليس فيه قسم للطوارئ (وهذه لوحدها قصة عجيبة من قصص وزارة الصحة).. ولم أفكر في الذهاب إلى طوارئ أحد المستشفيات لأن تجارب سابقة مريرة علمتني أن ما سوف أجده هناك هو حالة يرثى لها.. فقررت أن أعتمد بعد الله على "جيبي" وراجعت أحد المستشفيات الأهلية، وهناك رأيت حشداً مهولاً من المراجعين المواطنين، يمكن لأي أحد أن يفسر معناه بأنه نتيجة غياب (العلاج الحكومي).. وبعد أن أخذ المستشفى الأهلي من "جيبي" ما شاء الله له يأخذه ب"الهناء والعافية" عدت إلى بيتي أضرب كفاً بكف على وزارة طويلة عريضة عجزت عن علاجنا، وتركتنا نهباًَ للقطاع الخاص، ثم نرى بعد ذلك مسؤولي الوزارة "يترززون" أمام الكاميرات وكأنهم قد أدوا الواجب.